أمان المياه في مدن العراق وازمات سوء التخطيط
- KDTS

- 6 أغسطس
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ فريق المتابعة الإخبارية-
في الوقت الذي تؤكد فيه أمانة بغداد أن حصة الفرد اليومي من المياه الصالحة للشرب تبلغ نحو 300 لتر، يواجه سكان العاصمة واقعاً مغايراً تماماً، حيث تعاني العديد من المناطق من شح واضح في المياه أو انقطاعات متكررة تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. ورغم أن الأمانة أشارت إلى جهودها المستمرة في تقليل نسب الهدر التي انخفضت من 40 إلى 26% من إجمالي الكميات المنتجة، إلا أن المشهد على الأرض يشير إلى أن أزمة المياه في بغداد أعمق وأكثر تعقيداً مما يبدو في الأرقام الرسمية.
واحدة من أبرز مسببات هدر المياه في بغداد تعود إلى الانتشار الواسع لمحطات غسل السيارات غير المجازة، والتي تُستخدم فيها كميات ضخمة من المياه الصالحة للشرب دون أي رقابة أو نظام لإعادة التدوير أو ترشيد الاستهلاك. هذه المحطات، التي تتزايد بشكل لافت في الأحياء السكنية والتجارية، تعمل في ظل غياب واضح لإجراءات صارمة من قبل الجهات المختصة، ما يجعلها مصدراً دائماً لاستنزاف المياه النقية التي يفترض أن تُوجه للاستخدام المنزلي.
لكن هذه ليست المعضلة الوحيدة، فالبنية التحتية لشبكة المياه في العاصمة باتت تعاني من أضرار جسيمة ناجمة عن التوسع العمراني العشوائي والبناء غير المنظم، خصوصاً في المناطق الطرفية. عمليات الحفر العشوائي دون تنسيق مع الجهات الرسمية غالباً ما تؤدي إلى تدمير خطوط نقل المياه، فيما تعجز فرق الصيانة عن مواكبة حجم الأضرار المتكررة، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من المياه في الشوارع والأراضي المفتوحة، ويُفاقم من العجز في مناطق أخرى تحتاج هذه الإمدادات بشدة.
في هذا السياق، يبرز أيضاً انتشار محطات تحلية المياه (RO) التي تحوّلت إلى تجارة نشطة لتوفير المياه النقية للمواطنين بأسعار متفاوتة. ورغم أنها تملأ فراغاً ناتجاً عن ضعف الإمدادات الحكومية، إلا أنها من جهة أخرى تسهم في تفاقم الأزمة، حيث تُهدر كميات ضخمة من المياه خلال عمليات التحلية، إذ تشير التقديرات إلى أن بعض المحطات تهدر أكثر من نصف كمية المياه التي تدخلها. كما أن غياب الرقابة البيئية والصحية على هذه المحطات يثير تساؤلات حول معايير العمل والسلامة، خاصة في ظل تزايد اعتماد الأهالي على هذه المحطات كمصدر رئيسي للمياه.
كل هذه العوامل تُشير إلى أن الأزمة ليست وليدة نقص في الموارد فقط، بل تتعلق بشكل مباشر بضعف في التخطيط، وتراخي في الرقابة، وسوء في إدارة ملف المياه بشكل عام. فرغم جهود أمانة بغداد في تحسين الواقع، إلا أن المشهد الحالي يتطلب تدخلات جذرية، تبدأ بإعادة تقييم آليات التوزيع، مروراً بضبط استخدام المياه في القطاعات غير المنزلية، وانتهاء بإصلاح البنية التحتية المتهالكة لشبكات المياه، ووضع استراتيجية واضحة للحد من الهدر وتحقيق نوع من العدالة في التوزيع، قبل أن يتحول النقص الحالي إلى أزمة يصعب احتواؤها.
انتهى.






