top of page

الطبقية المناطقية ابتدعها قاسم، عززها صدام وتمارسها حكومات ما بعد ٢٠٠٦!

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 5 يونيو
  • 2 دقيقة قراءة
ree

الفقرُ والمدينةُ… حين يُمنع الفقراء من التجول في وطنهم

بارومتر العراق/ ابو ضي

ما تزال القرارات الصادرة عن الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006 حتى اليوم، امتدادًا لنهج الإقصاء الذي طبع تاريخ الدولة العراقية، فبدلاً من تصحيح الأخطاء المتراكمة، عمّقتها تلك القرارات، وأسست لنظام تمايزي يقسم أبناء الوطن إلى طبقات، ويُكرّس الفوارق بين منطقة وأخرى، بما يعزز الكراهية بين فئات المجتمع، ويزرع بذور التعالي الطبقي على أساس الانتماء الجغرافي.


لقد اتفق أساتذة علم الاجتماع والديموغرافيا والأنثروبولوجيا على أن أولى البدايات المؤطرة رسميًا للتمييز الطبقي في المدن العراقية جاءت مع قرارات الحكومة في عهد عبد الكريم قاسم، حين أسّس “مدينة الثورة” — والتي تُعرف اليوم بمدينة الصدر —ومدينة الشعلة كأحياء لتجميع الفقراء والمهمّشين القادمين من الأرياف بحثًا عن فرصة للعيش داخل العاصمة. لم تكن المدينة أكثر من رقعة سكنية ضيقة مكتظة بالبؤس، ومحاطة بعزلة طبقية غير معلنة.

ثم جاء النظام البعثي، ليحوّل التمايز إلى انتقام اجتماعي. فقد اختار صدام حسين أن يميز المقربين منه، من كبار موظفي دولته، وضباط أجهزته الأمنية، وشيوخ عشيرته، بمنحهم مساكن تتجاوز مساحتها 600 متر مربع في أرقى مناطق بغداد، فيما زُجَّ بأبناء الطبقات الفقيرة في أحياء مكتظة، ذات شوارع ضيقة، لا تتجاوز مساحة بيوتها 150 إلى 200 متر مربع، وكأن الفقر تهمة يجب أن يُعاقب عليها الناس بالعزل المكاني.


ولأن الذاكرة الجمعية لا تموت، تغنّى الفنان كاظم الساهر بهذا النمط، حين قال:

“يتبغدد علينا، وإحنا من بغداد!”

في عبارة تختصر شعور الطبقية المؤلم الذي يعيشه الفقراء.

أما اليوم، وبعد أكثر من عقدين على سقوط الدكتاتورية، ما زال التمييز الطبقي حاضرًا، وإنْ بأقنعة جديدة.

ففي كل موسم عيد أو مناسبة دينية، يصدر كتاب رسمي عن قيادة عمليات بغداد يمنع دخول أنواع معينة من المركبات إلى أحياء بعينها مثل: اليرموك، المنصور، الغزالية، العامرية، القادسية، الحارثية. والممنوعات هنا ليست عربات حربية، بل “التك توك” و”الستوتة” — المركبات التي صارت رمزًا للطبقات المعدمة والمهمّشة.

هكذا، يُمنع الفقراء من دخول “مدن الأغنياء” تحت ذريعة الحفاظ على الذوق العام أو الأمن، وكأنهم غرباء في وطنهم، أو كأنهم لم يُولدوا تحت ذات السماء العراقية.

وقد يخرج من يقول: إن هؤلاء — سواق التك توك والستوتة — يسيئون التصرف، ويزعجون سكان تلك المناطق الراقية بسلوكهم وفوضاهم. لكن السؤال الأعمق: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا سُمِح بإدخال هذه المركبات إلى العراق أصلاً؟

ولماذا تُستخدم الحاجة الاقتصادية تارةً لتبرير عملهم، ثم تُستخدم “الطبقية الخفية” لنبذهم ومنعهم من ممارسة هذا العمل في مناطق معينة؟

والأهم من كل ذلك:

هل هناك نص دستوري أو قانوني في العراق يمنع الفقراء من التجول بحرية داخل مدن ومحلات وطنهم؟

هل أصبح الفقر في هذا البلد جريمة غير مكتوبة؟

وهل بات امتلاك سيارة فارهة أو لباس أنيق هو تصريح المرور الوحيد إلى “المدن المحظورة”؟

إن استمرار هذا التمايز الجغرافي والاجتماعي، وإن تغلف بالقرارات الإدارية، إنما هو جرح في قلب العدالة، ووصمة على جبين المواطنة المتساوية التي يفترض أن تكون حجر الأساس في أي دولة ديمقراطية.

الفقراء ليسوا غرباء عن هذه البلاد، هم نبضها، وذاكرتها، وصناع صبرها.

فهل نحتاج إلى ثورة في الوعي، لا تقل أهمية عن ثورة في القانون، حتى نعيد الاعتبار للكرامة الإنسانية؟

أم سنبقى نُعيد إنتاج المدينة كحقل ممنوع على من لا يحمل بطاقة انتماء طبقي مختومة بالرخاء؟

انتهى !

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page