العراق في قلب العاصفة: 30% رسوم أمريكية.. هل يصمد الاقتصاد النفطي؟
- KDTS

- 9 يوليو
- 5 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ ضياء ثابت–
يترقب العراق النابض بالنفط الخام، مصيره الاقتصادي في ظل إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عزمها فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على جميع الواردات القادمة من العراق، اعتبارًا من الأول من أغسطس/آب 2025. هذا القرار، الذي جاء ضمن حملة أوسع لإعادة تشكيل الموازين التجارية العالمية وفق رؤية ترامب. ويضع هذا القرار الأمريكي الاقتصاد العراقي الهش أمام تحدٍ جديد قد يلقي بظلاله على استقراره، ويثير تساؤلات حادة حول قدرة بغداد على المناورة في هذه "الحرب التجارية" المعلنة.
تحديات الرسوم الأمريكية واستراتيجيات الصمود العراقية
تتركز صادرات العراق للولايات المتحدة بالأساس على النفط الخام، إلا أن الآثار غير المباشرة على أسعار الواردات، والتحويلات المالية، وحتى أسعار النفط العالمية، قد تكون عميقة وواسعة النطاق. التحديات التي يواجهها العراق تدور في فلك تنويع الاقتصاد، تعزيز الإنتاج المحلي، البحث عن أسواق جديدة، وتحصين البنية التحتية المالية كركائز أساسية للمرونة الاقتصادية.
جاء إعلان ترامب، الذي تضمن رسائل مباشرة إلى قادة العراق والجزائر وليبيا، ليثير قلقًا بالغًا في الأوساط الاقتصادية العراقية. فهذه الرسوم، وإن وُصفت بأنها "أقل بكثير مما هو مطلوب للقضاء على العجز التجاري"، تحمل في طياتها تحذيرًا ضمنيًا من أي محاولات للتحايل. إن توقيت القرار، قبيل دخوله حيز التنفيذ بأقل من شهر، يضع بغداد أمام سباق مع الزمن لتحديد استجابتها لهذه "الصدمة" الاقتصادية الجديدة، في وقت لا يزال فيه العراق يصارع تبعات عقود من الصراعات والاعتماد الكلي على إيرادات النفط.
رسائل ترامب واضحة لقادة الدول الثلاث ومنها العراق، مؤكدًا اعتزام الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على جميع الواردات القادمة من هذه الدول، بدءًا من 1 أغسطس/آب 2025. الرسالة الموجهة لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لم تخفف من حدة القرار، بل زادت من المخاوف بتحذيرها من أن "أي محاولة للتحايل على هذه الرسوم من خلال إعادة شحن البضائع عبر دول أخرى ستؤدي إلى تطبيق نفس الرسوم الأعلى". هذا يعني أن العراق لا يواجه فقط عقبة مباشرة على صادراته، بل قد يواجه تعقيدات إضافية في سلاسل التوريد العالمية.
الآثار المحتملة على الاقتصاد العراقي
إن فرض رسوم جمركية بهذا الحجم سيُشكل بلا شك اهتزازاًً اقتصاديًا، في وقت تُشكل فيه صادرات العراق إلى الولايات المتحدة نسبة ضئيلة من إجمالي تجارته، وتتركز بشكل شبه كلي على النفط الخام وبعض المواد الأولية مثل الكبريت. في عام 2023، بلغت قيمة الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة 8.5 مليار دولار أمريكي، في حين لم تتجاوز حصة العراق من إجمالي واردات الولايات المتحدة 0.22%. نظرًا للطبيعة الاستراتيجية للنفط، يُعتقد أن الطلب عليه أقل مرونة للتغيرات السعرية الناتجة عن الرسوم. ومع ذلك، فإن أي زيادة في تكلفة النفط العراقي الموجه للسوق الأمريكية قد تؤثر على تنافسيته، مما يستدعي مراقبة حثيثة لسلوك السوق.
يستورد العراق من الولايات المتحدة مجموعة واسعة من السلع الحيوية، من المعدات الثقيلة والسيارات إلى الأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية. ان فرض رسوم 30% على هذه الواردات، يضاف إلى الرسوم الجمركية العراقية الحالية التي تصل إلى 100% على بعض البضائع الأمريكية والأوروبية، سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع كبير في أسعارها في السوق العراقية. هذا الارتفاع سيُلقي بعبء إضافي على كاهل المستهلك العراقي، في بلد يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، ويهدد استقرار الأسواق المحلية.
من المتوقع أن تُسهم هذه الرسوم في تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما سينعكس سلبًا على الطلب العالمي على النفط. وقد شهدت أسعار النفط بالفعل تراجعًا أوليًا بمقدار دولارين كرد فعل على إعلان الرسوم، وتتزايد المخاوف من تدهور أكبر في الأيام القادمة. هذا التراجع سيضرب عصب الاقتصاد العراقي، الذي تعتمد إيراداته الحكومية على النفط بنسبة تتجاوز 90%، مما يهدد الميزانية العامة للدولة.
قد تمتد تداعيات الرسوم الجمركية لتُصيب القطاع المالي العراقي، وبدات تبرز مخاوف من فرض المصارف الأمريكية رسومًا إضافية على التحويلات المالية العراقية المتعلقة بالاستيرادات، وكذلك على عوائد استثمار الاحتياطيات الدولارية العراقية المودعة في الولايات المتحدة. هذا الوضع، الناتج عن اعتماد العراق على الدولار الأمريكي والتحويلات عبر المصارف المراسلة الأمريكية، قد يؤدي إلى أعباء مالية إضافية على المصارف والشركات العراقية، ويهدد استقرار النظام المالي.
ومما لاشك فيه ان تسهم هذه الرسوم في تفاقم ظاهرة الركود التضخمي في العراق. فمن جهة، ستؤدي إلى انكماش في الدول المصدرة المتأثرة، ومن جهة أخرى، ستزيد من التضخم في الدول المستوردة التي تفرض عليها الرسوم. هذا يعني أن العراق قد يواجه ارتفاعًا في الأسعار مع تباطؤ في النمو الاقتصادي، وهو ما يمثل تحديًا اقتصاديًا معقدًا يتطلب حلولًا استثنائية.
تعتبر هذه الخطوة الأمريكية جزءًا من "حرب تجارية" أوسع قد تتسع لتشمل ملفات اقتصادية وجيوسياسية تتجاوز النزاع التقليدي مع الصين. الاقتصاد العراقي، الهش أصلاً واعتماده شبه الكامل على النفط، لا يحتمل أية اضطرابات جديدة. هذه السياسات قد تدفع رؤوس الأموال للبحث عن ملاذات آمنة خارج العراق، مما يؤثر سلبًا على تدفق الاستثمارات الحيوية.
لإدراك عمق الأزمة، يجب استعراض بعض الأرقام الاقتصادية والتجارية للعراق، كحجم التبادل التجاري، القائم على فاتورة استيراد ضخمة وصادرات محدودة. يتراوح حجم التبادل التجاري بين العراق والولايات المتحدة بين 9-10 مليارات دولار خلال عام 2024. ورغم أن صادرات العراق للولايات المتحدة بلغت 8.5 مليار دولار في 2023، إلا أنها تمثل حصة ضئيلة جدًا من إجمالي واردات الولايات المتحدة، لا تتجاوز 0.22%. هذا يُظهر حجم الاعتماد العراقي على الاستيراد، وكمية الرسوم التي ستُفرض على الواردات الحيوية.
بالرغم من ارتفاع الإيرادات غير النفطية إلى 14% بعد أن كانت 7%، إلا أن العراق لا يزال يُعاني من ضغوط هائلة لزيادة صادراته غير النفطية. هذا يؤكد الحاجة الماسة لتنويع مصادر الدخل الحكومي وتقليل التعرض لتقلبات أسعار النفط، وهو ما لم يتم إنجازه بالقدر الكافي حتى الآن.
تُشير التوقعات إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العراق بنسبة 5.3% في عام 2025، ونمو في القطاع غير النفطي بنسبة 4%. ومع ذلك، لا يزال معدل البطالة مرتفعًا عند 15.5%، وهناك عجز كبير في الميزانية غير النفطية. هذه الأرقام تُسلط الضوء على هشاشة الاقتصاد العراقي وحاجته الماسة إلى إصلاحات هيكلية عميقة لتعزيز استقراره ومرونته في مواجهة الصدمات الخارجية.
استراتيجيات الصمود وخريطة طريق للخروج من الأزمة
لمواجهة التحديات المحتملة، يجب على العراق تبني استراتيجية شاملة ومتعددة المحاور تركز على تقليل الاعتماد على سوق واحدة وتنويع مصادر الدخل.
يجب على العراق أن يبحث بجدية عن أسواق بديلة للنفط والمنتجات غير النفطية، من خلال تعزيز العلاقات التجارية مع دول آسيا، أوروبا، وأفريقيا. هذا التنويع سيُقلل من المخاطر المرتبطة بالتركيز على السوق الأمريكية ويمنح العراق مرونة أكبر في تعاملاته التجارية الدولية.
تاتي سياسة دعم الصناعات والزراعة المحلية بالمرتبة الثانية بعد تنويع أسواقه، وهي خطوة حاسمة لتقليل الحاجة إلى الاستيراد وتوفير بدائل للمستهلك العراقي. الاستثمار في البنية التحتية، وتوفير الدعم المالي والتقني للمنتجين المحليين، وتشجيع الابتكار، كلها خطوات ضرورية لتعزيز القدرة الإنتاجية المحلية.
كما يجب على الحكومة العراقية إعادة تقييم سياساتها الجمركية الحالية لضمان التوازن بين حماية السوق المحلية وعدم الإضرار بالمستهلك. يمكن مراجعة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات من دول أخرى لتعزيز التنافسية وتوفير خيارات أكثر للمستهلكين، واستخدام الرسوم كأداة لتشجيع الاستثمار المحلي.
ومن بين الحلول المقترحة للحد من تأثير الرسوم على التحويلات المالية، يجب على العراق العمل مع البنك المركزي والمصارف المحلية لتقليل الاعتماد على التحويلات عبر المصارف الأمريكية. البحث عن آليات تحويل بديلة وتطوير أنظمة دفع محلية ودولية مستقلة، وحماية الاحتياطيات الدولارية العراقية، كلها خطوات حاسمة لضمان استقرار النظام المالي.
كذلك يجب على العراق الدخول في مفاوضات دبلوماسية مكثفة مع الولايات المتحدة لتوضيح الآثار السلبية للرسوم الجمركية على الاقتصاد العراقي. يمكن أن تهدف هذه المفاوضات إلى استثناء بعض السلع العراقية، أو تخفيض النسبة، أو تأجيل التطبيق، مع عرض حقائق اقتصادية دامغة.
ولتقليل الاعتماد على النفط، يتحتم على العراق زيادة الاستثمار في قطاعات مثل السياحة، الصناعة، والزراعة. هذه القطاعات لديها القدرة على توليد إيرادات كبيرة وخلق فرص عمل متنوعة، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة سيجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ولعل تبسيط الإجراءات البيروقراطية، ومكافحة الفساد، وتوفير بيئة قانونية مستقرة، وتطوير البنية التحتية، كلها أمور حيوية لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول مختلفة. هذا سيساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، ويقلل من هشاشة الاقتصاد العراقي.
في حال ارتفاع أسعار السلع المستوردة، بسبب سياسات ترامب، يكون على الحكومة وضع برامج لدعم المستهلكين المتضررين، مثل تقديم إعانات مالية، أو دعم السلع الأساسية، أو تخفيض الضرائب على بعض المنتجات. هذا سيساعد في تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين وضمان استقرار السوق.
يمكن للعراق تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة والعالم لإنشاء تكتلات اقتصادية قوية تقلل من تأثير السياسات التجارية الأحادية. من خلال الانضمام إلى اتفاقيات تجارية إقليمية ودولية، يمكن للعراق أن يعزز موقفه التفاوضي ويفتح أسواقًا جديدة لمنتجاته.
إن قرار فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من العراق يمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، وإن كان تأثيره المباشر على الصادرات النفطية قد يكون محدودًا، فإن تداعياته غير المباشرة على أسعار الواردات، التحويلات المالية، وأسعار النفط العالمية قد تكون عميقة. هذا الوضع يُبرز الحاجة الملحة للعراق لتنويع اقتصاده وتقليل اعتماده على النفط.
انتهى.






