تقدم الحلبوسي: هل ينهار ام يصمد حتى موعد الانتخابات؟
- KDTS
- 10 يونيو
- 6 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ خاص
تشهد الساحة السياسية السنية العربية صراعات معلنة وأخرى مبطنة، اخذة بالتصاعد كلما اقتربنا يوما من الاستحقاق الانتخابي الجديد لتدشين الحكومة العراقية السادسة. فهذا محمد الحلبوسي، السياسي العراقي السني البارز ابن محافظة الأنبار التي هجرها واختار بغداد كمحطة لانطلاقته نحو الانتخابات النيابية 2025، يواجه اليوم العديد من التحديات والصراعات السياسية التي أثرت على موقعه ونفوذه وقادت الى تراجع نسبي في شعبيته، وانسحاب عددا من أعضاء حزبه وكتلته البرلمانية مع تلقيه ثلاث ضربات موجعة خلال هذا الشهر فقط.
خصوم محمد الحلبوسي السياسيين والصراعات الداخلية
يواجه محمد الحلبوسي صراعات سياسية حادة، خاصة من داخل المكون السني الذي ينتمي إليه، والتي تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، مع سعي خصومه لتقويض نفوذه السياسي وعرقلة مساعيه لدخول الانتخابات بحزبه "تقدم".
ولعل أبرز خصوم الحلبوسي في الساحة السنية:
خميس الخنجر: على الرغم من العهود التصالحية بين الطرفين التي تمت برعاية تركية تارة وأخرى قطرية الان ان الواقع يؤشر ان الخنجر بات صاحب النفوذ الأكبر في المحيط السني العربي، وهو مقربا من رئاسة الحكومة العراقية الشيعية ويملك أبرز الاستثمارات التجارية في العراق. ويعمل الخنجر على اقصاء الحلبوسي وازاحته عن الطريق ليتولى هوة المهمة في قيادة السياسية العربية السنية في العراق.
مثنى السامرائي: رئيس تحالف "العزم"، الذي يُعد من أبرز المنافسين للحلبوسي على زعامة المكون السني، وكان قطبا أساسيا في الدفع نحو اقصاءه من منصبه في البرلمان العراق، وقاد حراكا في جلسات البرلمان ضد نواب كتلة تقدم، وحصلت توترات وشجارات بين نواب من حزب تقدم وخصومهم، كان مثنى السامرائي طرفاً فيها.
أحمد الجبوري: نائب في البرلمان، يسيطر على محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية السنية ومعقل عشيرة صدام حسين، ومحطة مهمة في القرار السياسي السني. وقد خاص أبو مازن الجبوري جولات ضد الحلبوسي وله خلافات واضحة مع تقدم رغم انه بدأ يفقد الكثير من قوته لصالح بعض الخصوم في صلاح الدين.
قوى سياسية سنية أخرى: هناك العديد من القوى والشخصيات السنية التي تنتقد حزب "تقدم" وتتهمه بمحاولة الهيمنة على القرار السني، وعرقلة العملية السياسية، خاصة فيما يتعلق باختيار رئيس جديد للبرلمان بعد إقالة الحلبوسي. ويأتي محمود المشهداني ضمن هذه القائمة التي تنتقد الحلبوسي وترى فيه خطر القيادة الشابة ضد الكهول من ساسة السنة والذين فقدوا بطبيعة الحال زخمهم لولا المالكي الذي منحهم حقنة منشط بث من خلالها الروح في المشهداني وان ابدى ندمه قبل أيام على خياره بدفع المشهداني لرئاسة البرلمان.
الموصل محطة السنة العرب الأكبر: تعد الموصل بساستها محطة مهمة لكنها مهمشة لصالح الانبار وهو الصراع الازلي بين السنة (المتمدنين) في الموصل (العشائريين) في الانبار، وقد كسبت الانبار الصراع على مدى السنوات التي تلت اسقاط ال النجيفي عن سدة الحكم في البرلمان العراقي، وتحول السلطة الى النمط الثاني من السنة وهم العشائر الانبارية وحلفائها. الموصل أيضا شهدت ضربة للحلبوسي مؤخرا عبر استقالة رئيس حزب تقدم في الموصل وتحوله الى أحد أبرز خصوم الحلبوسي.
تتخذ هذه الصراعات أشكالاً متعددة، منها الاتهامات المتبادلة بالفساد وسوء الإدارة، فقد واجه الحلبوسي نفسه اتهامات بالفساد المالي والتواصل غير المشروع مع جهات أجنبية، وهي اتهامات يصر خصومه على استخدامها لإنهاء مستقبله السياسي، على الرغم من ان القضاء برء ساحته منها لاحقا. كما أن قرار المحكمة الاتحادية بإنهاء عضويته من مجلس النواب، وإن كان قد برئه لاحقاً من تهمة التزوير، إلا أنه كان نتيجة لدعاوى قضائية تقدم بها خصومه.
تظهر هذه الصراعات عمق الانقسامات داخل البيت السني العراقي، حيث يسعى كل طرف لتعزيز نفوذه على حساب الآخر، مما يؤثر سلباً على استقرار العملية السياسية في البلاد.
انسحاب أعضاء الحزب والكتلة البرلمانية: ظاهرة "التوقيع على بياض"
تعد ظاهرة انسحاب أعضاء من حزب تقدم وكتلته النيابية إحدى أبرز التحديات التي يواجهها محمد الحلبوسي، هذه الانسحابات التي طالت عناصر من كتلته النيابية وتشكيلاته الحزبية في المحافظات السنية مثل الموصل والأنبار وصلاح الدين، ليست مجرد انشقاقات عادية، بل تشير إلى ممارسات سياسية مثيرة للجدل.
تفيد التقارير بأن العديد من أعضاء حزب تقدم، بمن فيهم نواب برلمانيون، قد أُجبروا على توقيع استقالات مسبقة أو ما يُعرف بـ "التوقيع على بياض"، أو حتى القسم على المصحف، كضمان لولائهم للحزب وزعيمه، هذه الممارسات تهدف إلى منع الأعضاء من الانشقاق أو الانضمام إلى كتل سياسية أخرى، وتُستخدم كورقة ضغط لضمان بقائهم ضمن صفوف الحزب.
من الأمثلة البارزة على ذلك، قضية النائب ليث الدليمي، الذي ادعى أن استقالته التي وقعها الحلبوسي كانت قديمة وتم تزوير توقيعه، ورغم نفي الحلبوسي لذلك، إلا أن مراقبين أكدوا أن الدليمي والعديد من أعضاء حزب تقدم وقعوا استقالاتهم وقدموها للحلبوسي كورقة ضغط تمنع انشقاقهم مستقبلاً. هذه الممارسات تثير تساؤلات جدية حول الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية في العراق، ومدى حرية النواب في اتخاذ قراراتهم المستقلة.
يُنظر إلى هذه الظاهرة على أنها تعكس حجم الصراعات الداخلية والخارجية التي يواجهها الحلبوسي، حيث يسعى خصومه إلى استغلال أي ثغرة لتقويض نفوذه، بينما يسعى الحلبوسي للحفاظ على تماسك كتلته الحزبية والبرلمانية في مواجهة هذه الضغوط.
تراجع شعبية الحلبوسي وصعود نوار عاصم
تشير المعلومات الرصدية الأولية المتاحة إلى وجود تباين واضح في التفاعل والشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي بين محمد الحلبوسي وزوجته نوار عاصم، فبينما يبدو أن شعبية الحلبوسي في تراجع، تشهد نوار عاصم ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المتابعين والتفاعل مع منشوراتها.
وفقاً للمعلومات القائمة على تحليل بيانات التفاعل الشعبي مع صفحات الحلبوسي وصفحات زوجته المعرفة على التواصل الاجتماعي، فإن التفاعل الاعتيادي مع منشورات محمد الحلبوسي على صفحاته الأساسية كان يتجاوز 30 ألف تفاعلا مع منشوراته الشخصية كمعدل متوسط حتى منتصف العام الماضي 2024، ولكنه انخفض بشكل كبير ليتدنى الى 1500 تفاعل حالياً. أن هذا التراجع يتوافق مع النمط العام للصراعات السياسية التي يواجهها الحلبوسي، والتي اثرت سلباً على تفاعل الجمهور معه، كما أن هناك بعض المنشورات والتحليلات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن تراجع مكانته السياسية، مما قد ينعكس على تفاعل الجمهور.
صعود نجم نوار عاصم رقميا
على النقيض من ذلك، تشهد نوار عاصم، زوجة محمد الحلبوسي، صعوداً في شعبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر نوار عاصم بشكل متزايد على منصات التواصل الاجتماعي، وهناك اهتمام متزايد بشخصيتها وحياتها، وهي تمثل فعليا انموذج شبابي ونسائي متميز. هذا الاهتمام ينعكس في عدد المتابعين المتزايد والتفاعل الإيجابي مع منشوراتها. وعند النظر الى المنشورات المشتركة التي تظهر فيها مع زوجها الحلبوسي فان نسبة الإعجابات لديها تنخفض وتزداد نسب التعلقيات السلبية! كما أن تداول بعض الفيديوهات والمقاطع التي تظهرها في مناسبات مختلفة يساهم في زيادة انتشارها وشعبيتها. وتبقى عملية وصفها بالسيدة الأولى محط جدل في العراق في وقت يبين ان غالبية متابعيها يأتون من (الانبار، بغداد، البصرة، صلاح الدين، الموصل، ديالى، واربيل) وهي تراتبية غريبة جدا!
الفضائح والاتهامات: هل أثرت على شعبية الحلبوسي وحزبه؟
واجه محمد الحلبوسي وحزبه "تقدم" العديد من الاتهامات، والتي كانت جزءاً من الصراعات السياسية التي خاضها ولايزال، وقد أثرت هذه الاتهامات بلا شك على صورته العامة وشعبيته، خاصة في المناطق التي يُفترض أن يمثلها. ويبدو ان التصاقه بنماذج تقليدية جدا من بينهم شيوخ عشائر في مناطق انتشاره الانتخابي وان كانوا يمثلون عشائر معروفة الا انهم فقدوا قدرتهم على التأثير. الحلبوسي وزوجته يمثلان الى حد ما فئة الشباب التي تُهمل في التعاطي الانتخابي ويتم استغلالهم لأغراض التحشيد الجماهيري فقط، فيما تمنح المناصب لاحقا لشخصيات مسنة او بعيدة عن عالم الشباب. وعلى خلاف خميس الخنجر الذي يعتمد بشكل كبير على الشباب ويحاول ان يبني طواقمه منهم ويدفع بهم الى منصات القيادة رغم انه من المحسوبين على الكهول، يهمل الحلبوسي هذا العامل المهم.
على الجانب الاخر لم يتعامل الحلبوسي مع القضايا الأبرز التي أثيرت ضده ومن بينها:
تهمة التزوير: واجه الحلبوسي دعوى قضائية بتهمة تزوير أدت إلى إنهاء عضويته في مجلس النواب وإقالته من رئاسة البرلمان في نوفمبر 2023. ورغم تبرئته لاحقاً من هذه التهمة، إلا أن القضية أثارت جدلاً واسعاً وأثرت على موقفه السياسي.
فضائح فساد في الأنبار وبغداد: تتوالى الاتهامات حول صفقات فساد كبيرة في محافظة الأنبار التي يُعد الحلبوسي شخصية نافذة فيها. وتشير بعض التقارير إلى تورط حزب تقدم في قضايا فساد مالي واختلاسات، وتاتي احدى القضايا المهمة في حزام بغداد التي وجهت فيها أصابع الاتهام الى (مجموعة العساف القانونية) ولاتزال منظورة في محكمة النزاهة ومكافحة الفساد. وصدرت فيها احكام وتبين المعلومات انها ستثار بكل تفاصيلها قريبا من خلال خصوم الحلبوسي مع أكثر من 200 ضحية تم تزوير وكالات قانونية وتسجيل شركات باسمائهم من أبناء المناطق الريفية السنية في أطراف بغداد وتبلغ قيمة الأموال المهربة عبرها 5 مليار دولا الى الامارات العربية كما تم نشره في فضائيات ومواقع اعلامية العام الماضي.
قضية عمر الدبوس: ورد اسم عمر الدبوس، رئيس مجلس محافظة الأنبار وقيادي في حزب تقدم، في فضيحة تتعلق باحتجازه في الإمارات، مما أثار تساؤلات حول طبيعة هذه القضية وعلاقتها بالحزب.
مقر ملتقى شباب الأنبار للحوار: أشارت بعض التقارير إلى تحول مقر تابع لحزب تقدم وممول من مكتب الحلبوسي إلى مكان لممارسات غير أخلاقية، وهي اتهامات خطيرة إذا ثبت صحتها.
في ظل هذا السجال المتصاعد والانقسامات المتشعبة، تبقى بعض التساؤلات تبحث عن اجابات،
هل يصمد الحلبوسي حتى يوم الاقتراع؟ أم سيكون هو الضحية الأكبر في أول اختبار انتخابي لما بعد رئاسة البرلمان؟
كل المؤشرات تقول إن رقعة المعركة تتسع... والخصوم يتكاثرون... والورقة الأخيرة لم تُلعب بعد.
لكن ما لم يُكشف حتى الآن، وقد يكون الأخطر، هو:من يقف فعلًا خلف هذا الانهيار الممنهج؟ وأي يد غير مرئية تحرك خيوط اللعبة من خلف ستار بغداد؟
الجواب ربما سيأتي... على هيئة مفاجأة سياسية مدوية، قبل أن يُفتح الصندوق الانتخابي.
انتهى!