قراءة لسياسة الكيل بمكيالين في التغطية الدولية لحادثة بغداد الامنية
- KDTS

- 28 يوليو
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كتب كرار السراي-
تناقلت وسائل الإعلام العالمية والإقليمية اليوم باهتمام بالغ تفاصيل المواجهة المسلحة التي وقعت يوم أمس في دائرة زراعة الدورة جنوبي بغداد، بين قوة تابعة لأحد الفصائل المسلحة وعناصر من الشرطة الاتحادية العراقية. الحادث، الذي أسفر عن إصابات في صفوف قوات الأمن واعتقال عدد من المهاجمين، أُطر إعلاميًا خارج سياقه العراقي الداخلي محدث أمني، إذ جرى ربطه مباشرة بالسياسات الإقليمية وخاصة الدور الإيراني، في محاولة لصياغة سردية “انفلات السلاح” و”تآكل سلطة الدولة” على نحو يخدم أجندات سياسية أكثر من اهتمامه بفهم الواقع العراقي المعقد.
لم تكد تمضي ساعات على وقوع الحادث حتى بدأت كبريات الصحف ووسائل الإعلام الغربية بنشر تقارير مطولة تربط ما جرى في الدورة ببغداد بسياق إقليمي يشمل الضربات الجوية التي استهدفت مواقع نفطية في أربيل ودهوك مؤخرًا، وجرى تقديم المشهد وكأنه تعبير عن “تصعيد إيراني بالوكالة” داخل العراق، دون إشارة كافية إلى السياق المحلي للحادث، أو حتى التحقق فيما إذا كان الحدث قد جرى نتيجة تصرفات فردية أو فوضى مدبرة.
الحقيقة التي تجاهلتها العديد من هذه التغطيات، هي أن ما وقع كان نتيجة اجتهادات خاطئة لعناصر محدودة من أحد الفصائل، وأن الدولة العراقية، عبر قواتها الأمنية الرسمية، تعاملت مع الحدث بشكل مباشر وسريع، وهو ما تجسد في اعتقال عدد من المتورطين وفتح تحقيق في الملابسات. هذا التحرك، كان يمكن أن يُقرأ كدليل على وجود مؤسسات أمنية تؤدي واجبها، لا كمؤشر على انهيار الدولة.
نعم انه حدث لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، لكن اللافت أكثر، هو حجم الزخم الإعلامي الذي وُجه نحو بغداد، مقارنة بصمت شبه تام، أو تغطية خجولة، لما يحدث في أماكن أخرى من المنطقة العربية. فالمجازر التي تُرتكب بحق المدنيين في غزة، والتي توثّقها المنظمات الدولية والحقوقية، لا تحظى سوى بسطور محدودة في تقارير الأخبار العالمية، وغالبًا ما تُعرض بلغة حيادية تفتقر للحد الأدنى من الاستنكار الأخلاقي!. أما ما يتعرض له أبناء الأقليات في سوريا، من بطش وارهاب بومي ومجازر تقودها ماكنة الرعب الداعشي المقنع باسم النظام السوري الجديد، من اضطهاد وعنف منظم من أطراف مختلفة، فقد بات في ذيل الاهتمامات الإخبارية، إن لم يكن خارج التغطية تمامًا.
من المؤسف أن يتحول العراق عبر بعض غرف تحرير الأخبار الأجنبية إلى مسرح “مفضل” لتغذية سرديات مسبقة عن الفوضى وعدم الاستقرار، بينما يُستبعد من كونه دولة تحاول، رغم التعقيدات، فرض النظام واستعادة هيبة القانون. وإذا كان الإعلام الحر هو ركيزة للديمقراطية، فإن الانحياز الانتقائي في التغطية يفقد هذه الركيزة معناها، ويحولها إلى أداة سياسية.
العراق لا ينكر وجود تحديات أمنية داخلية، ولا يُبرر أي سلوك خارج القانون من أي جهة كانت، ولكن من حق العراقيين أن يُنظر إليهم كضحايا أيضاً في معادلة إقليمية ودولية لا يسيطرون عليها بالكامل. ومن حق المؤسسات العراقية أن تُمنح الفرصة لاستعادة دورها دون تهويل إعلامي يسعى إلى تصفية حسابات عبر شاشات التلفاز ومواقع الأخبار.
انتهى.






