لغز اختفاء 2.5 تريليون دينار من صندوق الرعاية الاجتماعية… أزمة مالية أم أزمة ثقة؟
- KDTS

- 24 نوفمبر
- 2 دقيقة قراءة
رشا فوزي
تمر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأكبر جدل مالي منذ سنوات، بعدما تفجّرت قضية اختفاء 2.5 تريليون دينار من صندوق الرعاية الاجتماعية، وهي أموال مخصصة للفئات الأكثر ضعفًا في العراق. تناقض التصريحات بين وزارة العمل ومصرف الرافدين ووزارة المالية فتح باباً أمام التساؤلات والشكوك، وأعاد طرح سؤال جوهري: أين ذهبت الأموال، وكيف تُدار صناديق الحماية التي تمس حياة ملايين المواطنين؟
بدأت الأزمة عندما أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي أن الرصيد المالي الخاص بصندوق الرعاية الاجتماعية، والبالغ ما يقارب 2.5 تريليون دينار، قد اختفى دون علم الوزارة، معتبرًا أن ما حصل “اختفاءً غير مبرر وخطير” وأنه قدم شكوى رسمية للتحقيق في مصير هذه الأموال .
لكن مصرف الرافدين سرعان ما أصدر بيانًا رسميًا يناقض ما ورد في تصريحات الوزارة، مؤكدًا أن الأموال لم تختفِ، وأن الرصيد موجود بالكامل في حساب شبكة الحماية الاجتماعية، موضحًا أن حساب الصندوق يحتوي على 2,495,921,687 تريليون دينار، فيما يبلغ رصيد صندوق الحماية ذاته 390 مليار دينار فقط، وأن المصرف لم يُجرِ أي عملية سحب غير قانونية، بل يكتفي بتنفيذ أوامر الجهات المختصة دون تدخل في الصرف .
وزارة المالية بدورها قدمت رواية ثالثة، مشيرة إلى أن الحساب المالي لم يُسحب منه المال وإنما جرى “تجميده مؤقتًا”، وهو إجراء اتُّخذ بناءً على ملاحظات ديوان الرقابة المالية بشأن بعض الحركات المالية السابقة، وأن الوزارة تعمل بالتنسيق مع الجهات الرقابية والقضائية لضمان سلامة الإجراءات وشفافية إدارة المال العام، مؤكدة أن الحديث عن “اختفاء” الأموال غير دقيق وأن التحقيقات لا تزال جارية .
هذا التضارب في التصريحات خلق حالة واسعة من القلق لدى المواطنين، خصوصًا بين المستفيدين من إعانات الرعاية الاجتماعية الذين يخشون أن تؤثر هذه الأزمة على مواعيد الصرف أو استدامة التمويل. فصندوق الرعاية الاجتماعية يمثل شريان دعم أساسي لملايين الأسر التي تعتمد عليه في تأمين احتياجاتها الأساسية، وأي خلل في إدارة موارده ينعكس مباشرة على حياة الناس اليومية.
القضية كشفت كذلك عن ثغرات عميقة في آليات الرقابة المالية داخل المؤسسات الحكومية، فاختلاف البيانات بين ثلاث جهات رسمية يعكس غياب التنسيق الواضح أو ضعف نظم المتابعة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حادة حول الإدارة والتخطيط والرقابة في واحدة من أهم مؤسسات الدولة.
ويرى خبراء أن الحل لا يكمن فقط في كشف مصير الأموال، بل في إجراء إصلاح شامل للبنية المالية لصناديق الرعاية الاجتماعية، يشمل تحديث الأنظمة المحاسبية، وتفعيل الرقابة الرقمية، وضمان الشفافية الكاملة أمام الرأي العام، لأن استمرار الغموض يهدد الثقة العامة ويزيد من هشاشة منظومة الدعم الاجتماعي.
إن أزمة “التريليونات المفقودة” ليست مجرد قضية مالية، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على حماية أموال الفئات الأكثر حاجة. المطلوب اليوم تحقيق مستقل وعلني يكشف الحقائق كاملة ويحدد المسؤوليات دون مجاملة، مع إصلاح جذري لآليات إدارة صناديق الحماية. فاستعادة المال أمر مهم، لكن استعادة الثقة أهم، لأنها الأساس الذي تُبنى عليه العدالة الاجتماعية وكل جهود دعم المواطن العراقي.







