موظفو الاقتراع: حُماة الديمقراطية أم أدوات الأحزاب؟
- KDTS

- 6 يونيو
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراقي/ ابو ضي
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن تلقيها أكثر من 94 ألف طلب للتعيين في وظائف موظفي الاقتراع استعدادًا للانتخابات النيابية العراقية المزمع إجراؤها في عام 2025. هذا الرقم الضخم يعكس حماسة متزايدة للمشاركة في العملية الانتخابية، لكنّه يثير أيضًا جملة من الأسئلة الحارّة التي تفرض نفسها بقوة:
هل كل هؤلاء المتقدمين مستقلون فعلًا؟
وهل يمكن لموظف الاقتراع، إن كان منتمياً أو قريباً من أحد الأحزاب، أن يتجرد من ولائه حين يجد مرشح حزبه في الدائرة التي يعمل فيها؟
في بلد لا تزال مؤسساته تعاني من ثقل المحاصصة السياسية، يصبح الحديث عن “استقلالية المفوضية” أمرًا نظريًا يصطدم بواقع بنيوي، فالمفوضية، كما هو معروف، تمثل انعكاسًا لتوازنات القوى السياسية لا استثناءً منها.
وبالتالي فإن الخشية لا تتعلق فقط بـ”النوايا”، بل بالبنية التي تجعل من الموظف، أحيانًا، طرفًا في الصراع بدل أن يكون ضامنًا للحياد.
ثلاث طبقات للنفوذ… وثلاث نوافذ للتأثير
من خلال النظر إلى عمل المفوضية، يمكن تقسيم مستويات التأثير إلى ثلاث طبقات رئيسية:
محطات ومراكز الاقتراع: حيث يتواجد الموظف الميداني المسؤول عن استقبال الناخبين، التحقق من بطاقاتهم، الإشراف على ملء الصناديق، وتوثيق محاضر الفرز الأولية. وهنا تكمن أولى نقاط التأثير، فحسن التنظيم أو التراخي أو حتى تسريب معلومات عن كثافة الإقبال قد يغيّر مسار التنافس.
مراكز البيانات على مستوى المحافظات: هذه المرحلة تضم فرقًا مسؤولة عن استقبال نتائج المراكز، مطابقتها، ومعالجة البيانات. هنا يُمكن أن تحدث أخطاء أو “تعديلات” تُبرر فنيًا وتُخفي وراءها أهدافًا سياسية.
المركز الوطني للعد والفرز وإعلان النتائج: وهي المرحلة الأخيرة، الأكثر حساسية، والتي تُحدد مصير العملية الانتخابية برمتها. أي اختراق في هذا المستوى — سواء عبر الضغط السياسي أو التلاعب التقني — يعني أن اللعبة حُسمت بعيدًا عن إرادة الناخب.
الولاء الحزبي… من الموظف إلى المفوض
لا يخفى على أحد أن الأحزاب السياسية الكبرى بمختلف ألوانها الأيديولوجية والطائفية تتسابق اليوم لإدخال أكبر عدد ممكن من أفرادها وأنصارها إلى بنية المفوضية، خصوصًا ضمن الدعوات المفتوحة للتطوع في إدارة الاقتراع.
فـ”أن يكون لك موظف اقتراع ومفوض ومدير ومراقب كيان وصولًا إلى آخر حلقة في السلسلة الانتخابية”، أفضل بكثير — من وجهة نظرهم — من أن يكون لك فقط مرشح مكشوف الظهر، يعوّل على جمهور أعزل و”نزاهة مثالية” قد لا تتحقق.
لقد أصبحت الوظائف المؤقتة في المفوضية مساحة جديدة للتنافس السياسي، إذ يرى البعض أن من لا يمتلك أدوات التأثير داخل المفوضية، يخسر قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية.
السؤال الجوهري: هل يمكن بناء ثقة في انتخابات بهذا السياق؟
الثقة بالانتخابات لا تُبنى فقط عبر قانون جيد أو مراقبة دولية، بل تبدأ من الداخل: من الموظف العادي في المحطة، من المشرف على فرز الأوراق، ومن الإداري الذي يقرّر مسار ملف ما.
إذا استمرّت الأحزاب في تحويل الموظف المؤقت إلى “جندي انتخابي”، فإن المواطن سيفقد ثقته شيئًا فشيئًا، ليس فقط بالانتخابات، بل بمنظومة التغيير بأكملها.
الحل؟ رقابة، شفافية، ومجتمع مدني يقظ
الرقابة ليست حكرًا على المفوضية، بل مسؤولية الأحزاب الصغيرة، ووسائل الإعلام، والمراقبين المحليين والدوليين.
الشفافية تتطلب نشر أسماء الموظفين وأماكن عملهم، وتوضيح آليات اختيارهم، وتلقي الشكاوى ضدهم.
المجتمع المدني يجب أن يستعيد زمام المبادرة، لا ليكون مجرد متفرج، بل مراقبًا فاعلًا ومدربًا للأعين على كشف الخلل.
الانتخابات، في النهاية، ليست حدثًا ميكانيكيًا محكومًا بالتكنولوجيا والإجراءات، بل ممارسة أخلاقية في المقام الأول، تقوم على الثقة، والعدل، والحياد.
فهل ما زال في هذا البلد متسع لبناء ديمقراطية نزيهة؟
أم أن الصندوق سيبقى ملعبًا آخر تُدار فيه اللعبة القديمة، بقوانين “الولاء لا الكفاءة”، و”النفوذ لا النزاهة”؟
انتهى.






