top of page

إقطاعيو الدولة الجدد…وممارسة اربط الحمار…

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 29 نوفمبر
  • 3 دقيقة قراءة
ree

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت


لستُ أدري — ولعلي لن أدري — كيف هبطنا بالممارسة السياسية في العراق إلى هذا الحضيض، حيث تُوزن معايير اختيار القادة والمسؤولين بمقياس جديد تُقاس فيه المناصب بمدى القرب من الزعيم، والولاء لتياره، والقدرة على تحويل المؤسسة العامة إلى مزرعة خاصة، يُغرف منها ما يُغرف، ويُنهب منها ما يُنهب، من غير حياءٍ ولا وجل.


فمنذ سنوات، ونحن نرقب المشهد السياسي العراقي وهو يتعثر في اختيار قياداته، ويُعجزه أن يوجّه مؤسسات الدولة وجهتها الطبيعية؛ تلك الوجهة التي يفترض ان تُبنى على المعرفة، وتدار بالعلم، وتُصان بالكفاءة والخبرة. فإذا بنا نستيقظ على بدعة جديدة لا عهد للدول المحترمة بها: إقطاعيات حزبية لا تحوز الأرض وحدها، بل تحوز معها الرقاب والوظائف والموازنات، وما خفي كان أعظم!


كل حزبٍ اليوم في العراق — ويا للغرابة — أصبح مالكاً لإقطاعية حكومية كاملة. تبدأ من أبسط وظيفة تُباع في الأسواق كأنها سلعة يُساوم عليها، وتصعد حتى تصل إلى الدرجات الخاصة، وما بينهما من مناصب وسطية تُدار كقطع شطرنج او تباع كسلع في سوق قذرة!.


وليس الأمر — كما يُخيّل إلى البسطاء — اختيارًا بريئًا، أو تنافسًا نزيهًا، أو حتى تملقًا سياسيًا؛ بل هو نظامٌ مُحكمٌ قائمٌ على قاعدة معروفة في أوساط أهل السلطة: “اربط الحمار حيث يشاء صاحبه.”

فليس المهم أن يعرف #المربوط شيئًا عن الموسسة التي سيربط فيها! الاهم انه يعرف طريق معلفه ويترك ربه السياسي يسرق باريحية!. يكفيه أن يكون “مطيعا” وأن يُثبت ولاءه لمن جاء به، وأن يؤدي دوره المطلوب في استرداد ما أُنفق على الحملة الانتخابية، مضروبًا بما تيسّر من الأرباح.


هكذا تحوّل العراق — وهو الذي أنجب العقول والمبدعين — إلى دولة تتساقط مؤسساتها، واحدة تلو الأخرى، كأوراق شجرة أحرقتها يد الإهمال.

وباتت الدوائر الحكومية، التي كان يُفترض أن تكون للخدمة العامة، أشبه بشركات خاسرة؛ تُنهب موازناتها، وتُفكك خبراتها، وتُترك لجيوش من الموظفين الذين لا يعرفون لماذا جاؤوا ولا ماذا يعملون، إلا أن يطيعوا “المسؤول” و”ظل المسؤول” ومن جاء بهم.


ولا عجب بعد هذا أن نرى رؤساء الأحزاب والتيارات وقد أصبحوا كالأوصياء على مؤسسات الدولة. يضعون على رأس كل دائرة من يشاؤون، ويستبدلون من يشاؤون، كأنهم يستبدلون قطع غيار تالفة. فإذا فاح فساد أحد المقرّبين — وقد فاحت روائح لا تُطاق — قُصِيَ فورًا وجيء بآخر من القائمة الاحتياطية الجاهزة، ليواصل المسيرة ذاتها: نهبٌ وتجاوزٌ وعبثٌ، ثم إقصاء… وهكذا تدور الحلقة المفرغة، حتى يأذن الله بانكسار الحلقة أو احترق القائمون عليها.


أما الشعب — وهو صاحب الدار وصانع الشرعية — فقد تم إبعاده عن اللعبة كلها، حتى بات بعضهم يتحرك على وقع ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي.

فمتى ظهر اسم مرشح جديد، تحوّل الناس إلى “جمهور معلقات” ينتظرون الومضة التالية: هل نؤيّده أم نرفضه؟ هل نسبّه أم نبارك له؟ وكأن الوطن أصبح صفحة إلكترونية تُحدَّثُ كل صباح حسب مزاج الممولين وأهواء الأحزاب.


النتيجة دولة تتآكل من الداخل، ومؤسسات تُدار بعقلية الغنيمة، وبلدٌ يفقد خبراته، وتختنق فيه روح المبادرة.

النتيجة وطنٌ كبيرٌ يُراد له أن يُدار بعقلية دكان صغير في زقاق قديم: اقتسام، محاباة، بيع وشراء، وتوريث فسادٍ يزداد اتساعًا كلما ضاق الأمل.


ولو كان في الأمر شيء من الطرافة لهان، ولكنها دراما سوداء… سخرية مرة… كأن العراق وقدره أصبحا مادة لفصل من فصول العبث والمؤسسات حقول تحارب وتسمين عجول.


ليس بعدُ إلا أن ننتظر صحوة وطنية تُعيد الكفاءة إلى مكانها الطبيعي، وتحاكم من جعل الدولة رهينةً لإقطاعياته، وتُنهي هذا الفصل الطويل من المهزلة السياسية التي تُهدد حاضر العراق ومستقبله.


فالأوطان — مهما كبُرت جراحها — لا تموت، ولكنها تُنادي من يعيد إليها روحها… ويحررها من لصوص المناصب، كما تُحرر الأرض من مغتصبيها

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page