top of page

اللغة كسلاحٍ سريّ: كيف تحوّلت اللهجة والكلمة إلى بوابة للتجسس السيبراني

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 1 نوفمبر
  • 2 دقيقة قراءة
ree

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت خبير اليونسكو والباحث في شؤون الذكاء الاصطناعي

في عالمٍ تحولت فيه الحدود من جغرافية الى رقمية، صارت اللغة – بكل ما تحمله من لهجات، نبرات، وسياقات ثقافية – هدفًا استراتيجيًا في حروب الظل الرقمية. لم يعد الاختراق يقتصر على استغلال الثغرات البرمجية أو سرقة كلمات المرور، بل تجاوز ذلك ليتسلل عبر أدق تفاصيل الهوية الشخصية. كيف نبحث على محركات البحوث الرقمية كيف نتكلّم عبر شبكات التواصل الإجتماعي، وماذا ننشر عبر المواقع، واي البرامج نثق بها ونستخدمها للتواصل الحي.

من قلب قمة محللي الأمن 2025 في تايلاند، جاءت إشارة إنذار جديدة من شركة "كاسبرسكي": برمجية تجسس متطورة باسم Dante، مرتبطة بمجموعة "Memento Labs" (الوريث الجديد لـ"HackingTeam")، تستهدف مؤسسات روسية وبيلاروسية عبر رسائل تصيد مُقنَّعة بدعوات لمنتدى فكري، مستغلة ثغرة في متصفح "كروم". لكن الملفت ليس فقط في تقنيات التخفي أو التعقيد البرمجي، بل في الدقة اللغوية المُذهلة التي اعتمدها المهاجمون باستخدامهم للّغة الروسية بطلاقة، مع فهم عميق للخصوصيات الثقافية والسياسية المحلية، مما جعل الضحايا يثقون بالرسائل دون تردد.


عندما تصبح الكلمة جسر اختراق

ما كشفته كاسبرسكي عن حملة Operation ForumTroll يؤكد حقيقة مقلقة، حيث أصبحت اللغة والثقافة أدواتٍ رئيسية في تصميم الهجمات السيبرانية الموجّهة. لم يعد المهاجم يكتفي بإرسال رسالة عشوائية تحتوي على رابط خبيث. بل يصوغها بلغة الضحية، ويختار السياق الذي يلامس اهتمامات المستخدمين كدعوة لمؤتمر فكري، تنبيه من وزارة، أو حتى نشرة إخبارية من وسيلة إعلام محلية. كل كلمة محسوبة، وكل تعبير مُعدّ ليعكس "الواقع المحلي" بدقة تشبه تلك التي يستخدمها الصحفي أو الدبلوماسي.

وهنا تظهر الصورة الكاملة، الهجمات المتقدمة المستمرة (APT) لم تعد تبحث فقط عن بيانات، بل عن فهمٍ أنثروبولوجي للمجتمعات. فهي لا تريد أن تدخل النظام فحسب، بل أن تعيش داخله دون أن يُكتشف أمرها. ولتحقيق ذلك، يجب أن تتقن لغته، أن تعرف كيف يفكّر، ما يخاف منه، وما يطمح إليه.


العربية: غيابٌ قد يكون درعًا... مؤقتًا

في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري، أين تقع اللغة العربية من هذه الخريطة؟

رغم أن العالم العربي يضم أكثر من 400 مليون ناطق، فإن وجود اللغة العربية في الفضاء السيبراني – خصوصًا في أدوات التجسس والبرمجيات الخبيثة – لا يزال محدودًا بشكل لافت. وربما يكون هذا الغياب، حتى الآن، عامل حماية غير مقصود. فغياب التخصيص اللغوي والثقافي في الهجمات يجعلها أقل فاعلية ضد مجتمعات عربية، حيث يصعب على المحتوى المُترجم آليًّا أو المكتوب بلهجة أجنبية أن يُقنع الضحية بصدقه.

لكن هذا الدرع هشّ، فمع تصاعد الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة، ومع تزايد الرقمنة في الحكومات والقطاعات الحساسة، لن يطول الوقت قبل أن تبدأ مجموعات التجسس – سواء كانت تابعة لدول أو شركات خاصة – بتطوير أدوات مخصصة للغة العربية، بل واللهجات المحلية أيضًا: المصرية، العراقية، الخليجية، المغربية... كل لهجَة قد تُستخدم يومًا كمفتاحٍ لفتح بابٍ رقمي.


نحو وعي لغوي-سيبراني

الدرس الأهم من قصة "Dante" و"LeetAgent" ليس تقنيًّا فحسب، بل وجودي في العصر الرقمي، الهوية اللغوية جزء من البنية الدفاعية لأي مجتمع. ولذلك، فإن الاستثمار في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على فهم السياقات اللغوية العربية بدقة، بناء قواعد بيانات محلية لمؤشرات الاختراق (IOCs) باللغة العربية، وتأهيل محللين أمنيين يجمعون بين الخبرة التقنية والفهم الثقافي،

فالعدو القادم لن يطرق الباب بلغة أجنبية، بل سيهمس لك بكلماتك، ليُقنعك أنّه واحدٌ منكم. والمفارقة المؤلمة انه قد يكون أول من يكتشف الخطر ليس نظام الحماية، بل حدس الإنسان الذي يشعر أن "هذه الجملة لا تُقال هكذا في بلدنا".

في النهاية، قد تكون اللغة – التي طالما اعتبرناها وسيلة للتواصل – هي اليوم أقوى خطوط الدفاع، وأخطر نقاط الاختراق.

انتهى.

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page