top of page

انسحاب التحالف الدولي إلى أربيل تحوّل جيوسياسي أم تكتيك عملياتي؟

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 17 أغسطس
  • 4 دقيقة قراءة
ree

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت-

في خطوة تحول بارزة في المشهد الأمني العراقي منذ نهاية العمليات القتالية ضد تنظيم "داعش" وحتى اليوم، أفصحت جهات رسمية عن قرار مرتقب لانسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من ثلاث منشآت عسكرية رئيسية (قاعدة عين الأسد الجوية في الأنبار، ومطار بغداد الدولي، وقيادة العمليات المشتركة في العاصمة)، على أن يتمّ هذا الانسحاب التدريجي في سبتمبر 2025، تنفيذًا للاتفاق الاستراتيجي المبرم بين بغداد وواشنطن.

القرار رغم صيغته التقنية، يحمل في طيّاته تحوّلات جيوسياسية عميقة، تلامس صلب العلاقة الثلاثية بين العراق والولايات المتحدة وإيران، وتفتح الباب أمام إعادة تشكيل التوازنات الأمنية في مرحلة ما بعد "داعش"، وربما ما بعد التواجد العسكري الأمريكي المباشر.

واذا ما توغلنا قليلا في السياق الاستراتيجي – من "الحرب على الإرهاب" إلى "الشراكة الأمنية" وتأسيس التحالف الدولي في 2014، حيث لعبت هذه القوات ادوارا مزدوجة في مجالات ميدانية واستخباراتية في الحرب ضد داعش مع الاتهامات التي وجهت للتحالف بدعم جيوب الأرهاب في المناطق المفتوحة غرب العراق.

وان أتت التصريحات بان الانسحاب من عين الأسد وبغداد لا يعني انسحابًا كاملاً من العراق. وانما "إعادة تموضع تكتيكي"، وهو ليس انهيارًا استراتيجيًا. فالقوات الأمريكية ستُنقل إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان، حيث تُعتبر البيئة الأمنية أكثر استقرارًا، والتنسيق مع السلطات المحلية أكثر سلاسة، والأهم وفق وجهة نظر التحالف "أبعد عن النفوذ الإيراني المباشر". يبقى السؤال المهم (هل هنالك ما يطبخ من قبل الغرب وأمريكا للعراق ويتطلب افراغ القواعد الابرز للتواجد العسكري الغربي الأمريكي؟).

على الجانب الاخر وإن كانت فعلا النوايا صادقة، فلماذا اختيار أربيل كمركز جديد للتحالف الدولي، فإقليم كردستان ليس امنا ايضا ويشهد هجمات صاروخية وطيرات مسيرة. فهل يمكن تفسير القرار على انه انسحاب كامل ام لا انسحاب !.

يمكن القول ان التموضع الجديد في أربيل يعني الحفاظ على القدرة على التدخل السريع، فأربيل تقع على بعد 300 كم من بغداد، و500 كم من الحدود السورية، ما يسمح للتحالف بالاستمرار في دعم العمليات الجوية والاستخباراتية دون الحاجة للبقاء في قلب العاصفة. وتقديم إسناد لأربيل في ظل توترات متزايدة مع بغداد حول ملفات النفط والموازنة والحدود.

يرى البعض ان هذه الخطوة تاتي لتعزيز الشراكة مع كردستان، ودعم السوداني انتخابيا ضد خصومه، ليحسب منجزا له في إخلاء قواعد عسكرية من تواجد الاميركان وحلفاءهم، وهو مطلب اساسي لقوى سياسية عراقية.

سيما وان الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، تواجه ضغوطًا متزايدة من الفصائل المسلحة والكتل السياسية الشيعية (خاصة تلك المرتبطة بإيران) لتنفيذ "الوعد" بإنهاء التواجد العسكري الأجنبي. هذا الانسحاب يُقدّم كـ"إنجاز وطني"، يُعزز شرعية الحكومة أمام الشارع وإن كان فيه مرارة في تسجيله باسم السوداني الخصم الانتخابي الابرز في الوقت الحالي وقد يهديه ولاية ثانية.

هنالك من يوكّد على ان هذا الانسحاب لا يعدو كونه خطة تقسيم الأدوار، فالمدربين يبقون، والقوة القتاليّة تنسحب إلى الشمال. التأكيد على أن "المدربين العسكريين سيبقون" هو رسالة دقيقة مفادها ان التحالف لا ينسحب من العراق، بل يُعيد تعريف وجوده مع التركيز على "التدريب، الاستخبارات، الدعم اللوجستي، والتدخل السريع عند الحاجة"، وليس على التواجد القتالي الدائم.

رغم الطابع المسالم للإعلان عن الانسحاب، تظهر عدة تساؤلات استراتيجية، أهمها هل يُمهد هذا الانسحاب لانفصال أمني بين الشمال والمركز؟ هل ان نقل القيادة إلى أربيل يُرسّخ واقعًا جديدًا، في ترك بغداد امام مخاطر محتملة للجماعات المتطرفة داخل المنطقة الغربية وخارجها في المحيط السوري المجاور للعراق مع تحرر اكثر من ٦ الاف داعشي بقانون العفو العام؟

يمكن ان يُعمّق هذا القرار في الوقت الراهن الانقسام الجيوسياسي الداخلي في العراق، او قد يزيد رعب المكون السني العربي الذي لطالما وجد حتى في ظل الحضور العسكري الغربي-الأمريكي في مدن بغداد وصلاح الدين والأنبار، وإن كان عامل أمان من الطرف الاخر في معادلة القوة وتوازناتها في العراق.

طرف المعادلة الشيعي يرى ان أربيل قد تصبح مركزًا لعمليات أمريكية سرية أو شبه سرية، خاصة ضد ما يطلق عليهم حلفاء ايران ومحور المقاومة على رأسهم. ان نوايا هذا التحرك قد تكشف عنها خطوات اخرى كمصير الترسانة العسكرية والبنية التحتية في عين الأسد وباقي القواعد العسكرية، فهل ستُسلم بالكامل للجيش العراقي؟ أم ستُترك أجزاء "قابلة للتشغيل السريع" لاستخدام مستقبلي؟

كما ان الانسحاب نحو اربيل في مجمل الاحوال يعني ان القوة قد انقسمت إلى جزئين، القتالية منها في أربيل والتدريبية في المحافظات الغربية وبغداد وهي واقعا لاتزال في العراق!، وهذا لا يعد منجزاً حقيقا وإنما مكاسب صورية لبعض الفاعلين السياسيين قبيل الانتخابات.

بلا شك، القرار يُصنف كـ"انتقالة تكتيكية ذكية" من قبل الولايات المتحدة، وليس كتراجع استراتيجي. فهو يُقلل التكاليف البشرية والمادية، يُحافظ على القدرة على التدخل، يُعزز العلاقة مع حليف موثوق (كردستان)، ويُرضي الحكومة العراقية دون التفريط بالأهداف الجيوسياسية.

لكن النجاح المكمل لهذا الانسحاب يعتمد على بعض العوامل الحاسمة؛ القدرة العراقية على ملء الفراغ الأمني والسيطرة على تحركات الجيوب الداعشية وخطر الجماعات في سوريا التي تطمح للتوغل وراء الحدود، استمرار التعاون الاستخباراتي مع التحالف لضبط تحركات الدواعش والارهاب.

الانسحاب من عين الأسد ومطار بغداد وقيادة العمليات المشتركة إلى أربيل ليس نهاية التواجد الأمريكي في العراق، بل "بداية لعصر جديد من الوجود العسكري"، وهو تحوّل من "الحرب المباشرة" إلى "الرقابة الاستراتيجية عن بُعد"، ومن "الوجود القتالي" إلى "التأثير غير المباشر".

العراق، من جهته، يقف على مفترق طرق، إما أن يستغل هذه المرحلة لبناء جيش وطني قوي وموحّد، أو أن يسمح بتوسع الفراغ ليُملأ من قبل أطراف إقليمية تسعى إلى فرض واقع جديد.

في لعبة الجيوسياسة، الانسحاب من الميدان لا يعني الخسارة، بل قد يكون تمهيدًا لضربة أكثر دقة في الوقت المناسب.

انتهى.

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page