من دفء الوعود إلى صقيع القرارات: كيف يُعاقَب المواطن بعد الانتخابات؟
- KDTS

- قبل 7 أيام
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ فريق المتابعة الإخبارية
ما إن طُويت خيام الحملات الانتخابية، وأُسدِلت ستائر المهرجانات، ورُفعت صور الوعود المعلقة على جدران الشوارع، حتى بدأ التحول الأعنف في سلوك المسؤولين تجاه المواطن. تحول الخطاب من “نحن في خدمتكم” إلى “تحمّلوا النتائج”، وتحولت النعومة التي لامست العراقيين قبيل صناديق الاقتراع إلى لسعات إدارية واقتصادية قاسية، تُصيب الفئات الأضعف أولاً وبلا رحمة.
الانتخابات في العراق لم تعد استحقاقًا ديمقراطيًا خالصًا، بل موسم “حب محرّم” وزواج مؤقت بين المواطن والمسؤول، تُقدَّم فيه الابتسامات، وتُوزَّع الوعود، وتُخفَّف القيود، وتُفتح بعض النوافذ المغلقة عمدًا. وما إن تُفرَز النتائج، حتى تُغلق تلك النوافذ بعنف، وتُعاد أدوات العقاب إلى الواجهة تحت مسميات إجرائية وقانونية “باردة”.
الطلبة… الضحية الأولى لكل دورة سياسية
اول هذه اللطمات ما تعرّض له طلبة الإعدادية من صدمة عنيفة تمثّلت في تخفيض نسب القبول في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية داخل الجامعات الأهلية. القرار جاء بعد انتهاء الانتخابات، وكأنه رسالة واضحة “انتهى موسم الاسترضاء… وبدأ موسم الجباية.”
الطلبة الذين قضوا اوقات صعبة تحت ضغط الدراسة، وسهر الامتحانات، وأحلام المعاطف البيضاء، وجدوا أنفسهم فجأة خارج المعادلة، ليس لضعف تحصيلهم، بل لأن النسب رُفعت فجأة، والمنح ضُيِّقت، والمقاعد أُعيد توزيعها بطريقة تراعي المصالح الاقتصادية والسياسية للملاك.
كليات أهلية… ولكن مَن يملكها فعلًا؟
السؤال الأكثر وجعًا: هل هذه الكليات الأهلية مستقلة فعلًا؟
أم أنها واجهات اقتصادية صريحة لأحزاب وساسة ورجال نفوذ؟
حين تُخفَّض فرص المنح المجانية، ويُدفَع آلاف الطلبة قسرًا نحو القبول الأهلي المدفوع، فنحن لا نتحدث عن “سياسة تعليمية”، بل عن سوق قسري يُساق إليه الطلبة لصالح شبكات استثمار سياسي–تعليمي.
الطالب هنا لا يُعامَل كطاقة وطنية، بل كـ”مشروع قسط دراسي”، يُستنزَف تحت ضغط الحلم، وتحت تهديد ضياع عمر، وربما مستقبل كامل.
من دولة راعية إلى دولة جابية
هذا التحول الصادم يكشف جوهر المشكلة، فنحن لا نعيش في دولة ترعى مواطنيها، بل في منظومة تُحسن التودد قبل الانتخابات، وتُجيد العقاب بعدها. القرارات الصعبة لا تُتخذ حين يكون الرأي العام يقظًا، بل حين ينشغل الناس بصدمة النتائج، وتخفت حرارة الشارع، وتُكسر الروح المعنوية.
الطالب، الموظف، الفقير، العاطل… جميعهم وقود هذه المرحلة. أما أصحاب القرار الحقيقيون، فبعيدون عن كل آثار هذه السياسات، محصنون بالسلطة، ورأس المال، والنفوذ.
الأخطر من القرار ذاته، هو تكريسه لمنطق أن التعليم الطبي امتياز لمن يملك المال، لا حقًّا لمن يملك الكفاءة. وهنا نحن نخسر الطلبة، ونخسر أطباء وصيادلة وأطباء أسنان كانوا قادرين على خدمة هذا البلد المنهك أصلًا بنقص الخدمات الصحية.
إن تحويل مقاعد التعليم إلى سلعة موسمية تُدار بتوقيتات سياسية، جريمة هادئة، بلا ضجيج، لكنها تدمّر الأجيال على المدى البعيد.
ما يحدث اليوم ليس خطأ إداريًا عابرًا، بل نموذج متكرر لعقاب جماعي مؤجل لما بعد الانتخابات.
السلطة تبتسم حين تحتاج الصوت، وتُدير ظهرها حين تضمن المقعد.
والطلبة كانوا – ولا يزالون – الهدف الأسهل والأضعف.
ويبقى السؤال المفتوح في ضمير هذا البلد:
إلى متى نبقى نُلدَغ من نفس الإبرة، وفي كل مرة نُقنِع أنفسنا أنها مختلفة





