top of page

عاشوراء بين عظمة السرد وشُحِ الإنتاج: متى نعطي الأجيال حقها!

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 28 يونيو
  • 3 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 29 يونيو

صورة ولدها الذكاء الاصطناعي لإحدى لحظات الامام الحسين ع
صورة ولدها الذكاء الاصطناعي لإحدى لحظات الامام الحسين ع

كتب ضياء ثابت

ما أعجب هذا الزمان الذي كثرت فيه الإمكانات، وماتت فيه الهمم!

زمانٌ باتت فيه الأصواتُ تعلو في المآتم ومجالس العزاء، وتخفت في ميادين الإبداع الفني والاعلامي.

زمانٌ تُحرك فيه القلوبُ على المنابر باصوات الشيوخ والرواديد فقط، ولا يُبذل من الفكر في الفنّ ما يوازي دمعةً صادقة في عزاء الحسين عليه السلام!.

أين هو المحتوى الذي يليق بالحسين ع؟

أي مشهدٍ هذا الذي نستطيع أن نقدّمه ـ نحن شيعة أهل البيت ـ للعالم، لترتسم من خلاله خطوات الامام الحسينُ ع خارجًا من مكة، يلوح بكفٍّ وداعية نحو الحرم الشريف، وقد شَّدَ رحاله الى الكوفة، عارفًا بالذبح، راضيًا بالدم، عاشقًا للشهادة؟

منذ أن اصطكت نسماتُ ذاك الفجر بصرخته الخالدة: “مثلي لا يبايع مثله”، إلى اللحظة التي تهاوت فيها أجساد الطاهرين على صعيد الطف، والشيعة ـ رغم وفرة القصص وتواتر الروايات ـ لم يُنتجوا عملًا فنيًّا متكاملًا يروي هذا المجد المتشح بالدم، والكرامة الخالدة.

ياسادة

إن ثورة الحسين ليست خطبةً تُلقى، ولا موكبًا يُقام، ودمعةً تُسفك وزناجيل تجلد الظهور او أزياء سوداء ومظاهر ومكبرات صوت وولائم فحسب؛ إنها مشروع إصلاح ممتدّ، رسالة كونية، صرخة في وجه الفساد والظلم والخذلان.

ولكن، كيف تترجم هذه الرسالة في زمن الذكاء الاصطناعي؟

كيف تُخاطب الأجيال التي تربّت على الإيقاع السريع والشاشة الذكية والتأثير البصري الخاطف والفنتازيا والأجهزة الرقمية الحديثة؟

هل نُبقيهم أسرى الخطب الحزينة التي لم يعد لها مَن يُترجمها لهم بلغة عصرهم؟

أم نريهم الحسين كما يمكن للجميع رؤيته بعمل فني يكسر النمطية؟

لقد أُنفقت المليارات في المواكب والمجالس، تُنصب السرادق، وتُرفع الرايات، وتُحيى الليالي بالحزن والدموع، ولكنّ معركة الحسين في ساحة الإعلام الحديث بقيت يتيمة.

ما مِن مسلسلٍ يصوّر ملحمة الطف كما هي!

ما مِن فيلمٍ يأخذنا من مكة إلى كربلاء، ثم إلى الأسر، إلى الشام، إلى موكب الرؤوس، إلى دمعة زينب، إلى قيود السجاد، إلى حناجر الأطفال والرؤوس المحمولة على الرماح.

لا شيء… سوى محاولات خجولة تتوارى خلف اسماء وعناوين، ترسم المسيرة بعين المتفرج، لا بعين المحبّ، أو الموالي، أو الثائر.

وإن حاول البعض من غير العرب من أبناء الطائفة أن يخوض في هذا الميدان، لكن جاء الطرح بعيدًا، يُروى على لسان المسيحي المندهش من الحسين، فنقضي وقتنا نتابع هذا المحب كيف يلحق بظل آثار الامام ع!

أو تُسرد الحكاية عبر شخصية المختار الثقفي التي لا تزال الروايات تتنازعها، وتختلف حول صدق رايتها، وتُعطى للفرقة الفارسية وكيان المصداقية والموثوقية والبطولة!

فما السبب؟

أيُعقل أن يفتقر هذا الرافد الحسيني العابر للحدود، الذي يصل امتداده إلى أصقاع الأرض، إلى عمل فني يليق بثورة صارت قبلة لكل مظلوم؟

كلا، إن السبب أدهى من ذلك.

إن المال موجود، ولكن في يد الفاسدين.

والرغبة غائبة ومعها التوفيق الإلهي، لأنه لا يسكن إلا في قلوب نظيفة نزيهة امتلأت بحب الحسين ع، لا أولئك الذين يتاجرون باسم الحسين في صفقات الدنيا.

حتما ان الحسين عليه السلام، لا يريدهم، لا يريد أموالهم، ولا نياتهم الملتوية.

ثورة الحسين عصية على التسليع، عصية على من يُتاجر بها.

ثورةُ الطُهر لا تنبع إلا من قلوب طاهرة.

ولذلك، لم يُكتَب لهذا الفن الحسيني الحقيقي أن يُولد بعد.

أيها القادمون على درب الحسين، اعلموا أن الأجيال اليوم تبحث عن الحسين، ولكن بلغة زمنها. تريد أن تراه، لا فقط أن تسمعه. تريد أن تمشي معه من مكة، أن تعبر معه مفازات كربلاء، أن تسمع رقية وهي تنادي أباها، أن ترى زينب وهي تخطب، أن تُرهبهم لحظة الفجيعة، وأن تبكي كما بكت السماءُ دمًا يوم عاشوراء.

إننا نعيش زمنًا يفيض بالمحتوى، ولكنه يفتقر للمعنى.

فهل نبقى مكتوفي الأيدي ننتظر أن يرسم الآخرون لنا هذا الوحي؟

أم نقف، نكتب، ننتج، نروي، نُبدع، ونعطي الحسين حقّه، لا بالمال وحده، بل بالفكر، والوفاء، والحبّ، والإخلاص؟

ويا أهل العتبات، إن لديكم من القدرة والوسائل ما يصنع معجزة إعلامية تخلّد عاشوراء كما يليق بها، ولكن ـ ورب الحسين ـ ما تزال الهداية تُبعد الأيدي الخبيثة، والنيات الملتوية، ولعل الله يدخر هذا الشرف لقلة من عباده الذين لا يُعرفون إلا بالصدق في الولاء، والنقاء في المبدأ.

فيا رب، لا تحرم الحسين من أمةٍ تروي قصة دمه بالصورة كما روتها بالنص شعرا ونثرا.

ولا تحرمنا نحن من أن نكون شهودًا على ميلاد عصرٍ يرينا الحسين ع من على الشاشة كما استلهمناه من خطب المنابر الحسينية.

فهل ستراه الأجيال القادمة يردد “هيهات منّا الذلة”؟


بقلم:

محبّ تاه قلبه بين نحر الحسين، ولوعة رضيعه، وألم السجاد.

انتهى.

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page