خسارة المشاهير في انتخابات ٢٠٢٥ النيابية
- KDTS

- 13 نوفمبر
- 3 دقيقة قراءة
بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت
شهدت الانتخابات النيابية امس الاول ظاهرة ارتبطت بتحولات هيكلية في تركيبة العلاقة بين الناخب والمرشح بالعراق. الشهرة، في سياق ما بعد 2003، كانت تُستخدم كـ «منفذ اتصال أولي» — أي بوابة لاختراق الوعي الجماهيري السريع. لكنها لم تكن أبدًا بديلاً عن رأسمال سياسي مُنظم، كالانتماء لكتلة مؤسسية، أو تبني برنامج واضح، أو بناء شبكة ولاءات محلية مستدامة.
ما حصل بانتخابات مجلس النواب العراقي ٢٠٢٥، هو أن الناخب العراقي دخل مرحلة «قريبة من النضج الانتخابي السلبي» أي أنه لم يعد يُخطئ في التصويت مرة واحدة فقط بل أصبح يتعقب خطأه في الدورة التالية. ففي 2018، صوّت كثيرون لمشاهير رغبةً في «التغيير الرمزي» — التصويت ضد الطبقة السياسية عبر شخصية مألوفة من التلفاز. لكن النتائج — من عدم فاعلية التشريع، إلى غياب الحضور في اللجان، إلى الاندماج السريع في المحاصصة — أحدثت صدمة أخلاقية عند الناخب. وتحولت تلك الصدمة إلى معيار رفض في 2021 و2025.
هنا نتعامل مع ما أسمّيه «اقتصادية التصويت التكيفي». عندما ينخفض دخل الأسرة بنسبة 40% أو أكثر — كما تشير بيانات البنك الدولي للفترة 2020–2024 — فإن الناخب يُعيد تصنيف المرشحين من منظور «الكفاءة الاستبدالية» أي، من يضمن لي حصة في التوزيع لا من يُضحكني أو يُشعل حماسي.
الشهرة لا تُطعم خبزًا. لكن الكتلة المنظمة — حتى لو كانت مكروهة — تمتلك آليات توزيع وتوظيف في الدوائر، توسط في معاملات، تأمين خدمة أساسية. في ظل انهيار الدولة الرعائية، يصبح «الواسطة المؤسسية» بديلًا عن «العدالة التوزيعية». وبالتالي، يميل الناخب — بوعي أو دون وعي — نحو المرشحين الذين ينتمون إلى شبكات توزيع خدمية فعلية، وليس إلى شبكات ظهورٍ إعلامي فقط.
ومن المفارقات أن بعض المشاهير، حين يدخلون في تحالفات مع كتل منظمة، ينجحون — لكن ليس لأنهم مشهورون، بل لأنهم استعاروا هيكلية التوزيع التابعة لتلك الكتل. هنا الشهرة تُصبح أداة تسويقية ثانوية، والمؤسسة هي التي تُنتج الفوز.
من الملاحظ عبر دراسة حالة اكثر من ٤٠ مشهورا خسروا رغم شعبيتهم الرقمية الطاغية. وهنا يبرز مؤشران رئيسيان:
أولًا — مؤشر الثقة المؤسسية مقابل الثقة الفردية الصادر عن استطلاعات راي للأمم المتحدة(2023–2025): بينما تجاوزت ثقة المواطنين في «المرجعيات الدينية» و«العشائر» و«الكتل الحزبية» نسبة 58% في بعض المحافظات، فإن ثقة الناخب في «الشخصيات العامة» لم تتجاوز 22% — وهي أدنى نسبة منذ 2005.
ثانيًا — معدل البقاء البرلماني فقط 13% من النواب «المستقلين المشهورين» احتفظوا بمقاعدهم في دورة ثانية. بينما تجاوزت نسبة البقاء في الكتل المنضبطة (مثل الكتلة الصدرية سابقاً، أو كتلة «دولة القانون») 67%. هذا يُشير إلى أن الناخب لم يعد يمنح «فرصة ثانية» لمن فشل في بناء رأسمال تشريعي أو خدماتي.
الناخب تعلّم أن «الشخصية» في السياسة ليست كاريزما، بل قدرة على الصمود داخل المؤسسة التشريعية. والشهرة، في غياب هذه القدرة، تُصبح ضريبة على الناخب تدفع ثمن انتباهك، لا ثمن تمثيلك.
اهل يعني هذا أن الفردية في العمل السياسي قد انتهت في العراق؟
لا، لم تنتهِ — بل انتقلت إلى مرحلة «الفردية المؤسسية». الناخب لا يرفض الفرد، بل يرفض الفرد المُعلّق. أي من لا ينتمي إلى شبكة حماية تشريعية، ولا يمتلك رأس مال من المعلومات (مثل الخبرة القانونية أو الاقتصادية)، ولا يُظهر ولاءً ثابتًا لأجندة قابلة للقياس ولا يوزع هبات او يعبد طرقات وينصب محولات كهرباء!.
المثال الأبرز، ظهور نوابٍ من خلفيات أكاديمية أو تكنوقراطية — أطباء، مهندسون، خبراء ماليون عشائريون— نجحوا رغم قلة ظهورهم الإعلامي. لماذا؟ لأنهم قدّموا ضمانة كفاءة وليس وعد انتماء. الناخب، خصوصًا الشاب المتعلّم (من فئة 18–35 سنة، التي شكّلت 47% من المصوتين في 2025)، بات يميّز بين «التمثيل الرمزي» و«التمثيل الوظيفي». وهو يفضّل الثاني، حتى لو كان ممثّله شخصية غير جذّابة إعلاميًا.
هنا تكمن المفارقة، الشهرة تُسهّل الدخول، لكنها تُعقّد الاستمرار. لأن التوقعات تكون أعلى، والرقابة الإعلامية أشدّ، وغياب «المظلة المؤسسية» يجعل الفرد عرضةً للتآكل السريع.
أحترم الحُلم لدى المشاهير، لكنني أنصح بـ«الشرطنة السياسية»: لا تُصوّت لشخص لأنه لا يشبه الآخرين بل لأنه يُنتج ما لا يُنتجه الآخرون مشروع قانون، مراقبة تنفيذ، مساءلة مالية موثّقة.
الشهرة ليست عيبًا — هي رأسمال اتصالي قيّم. لكنها تُصبح عائقًا حين تُقدَّم بديلاً عن الالتزام. التغيير في العراق لم يعد يحتاج إلى «بطل شعبي»، بل إلى «فريق عمل دستوري». والناخب الواعي اليوم لابد ان يسأل من يُنظّم وقتك التشريعي؟ من يُترجم شعبيتك إلى أصوات في قطاع الخدمات؟ من يحميك من الابتزاز السياسي؟
إذا لم تكن للشخصية العامة إجابة محددة على هذه الأسئلة — فهي، بكل أسف، مرشحة للفشل. ليس لأن الناخب قاسٍ، بل لأنه تعلّم أن الثقة في السياسة ليست هبة… بل عقدٌ مُلزم.
واخيراً، نفرح ونستمتع بما ينشره المشهور لكننا نعلم انه ليس بالضرورة قادرا على النجاح بالقيادة والحكم!







