خطاب كراهية ام حرية تعبير: الشاعر ورجل الدين في المحكمة !
- KDTS

- 2 يوليو
- 3 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت خبير اليونسكو
في مشهد يعكس التعقيد المتزايد في العلاقة بين حرية التعبير والحفاظ على السلم المجتمعي ونبذ خطاب الكراهية المرتبط بالارث العقائدي والمذهبي بين اطياف اللمسلمين، تتجدد في كل فترة المشاكل البينية، وتحديدا اثناء المواسم الدينية المشتركة او الخاصة بكل طائفة من طوائف المسلمين والديانات الاخرى. وتنتقل هذه المشاكل الى مستوى ازمات اجتماعية. وهذا ما حصل منذ بداية شهر محر الحرام لهذا العام وحتى الامس حيث استدعى القضاء العراقي مؤخرًا رجل الدين الشيخ عداي الغريري والشاعر عبد الحسين الحاتمي على خلفية ما وُصف بأنه خطاب كراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما فتح نقاشًا عميقًا حول الحدود الفاصلة بين التعبير المشروع عن الرأي والتحريض على الكراهية الطائفية.
واقعتان... وغضب متبادل
أولى القضايا تعود إلى قيام الشيخ الغريري بتوزيع الحلوى في أول أيام شهر محرم، في خطوة فسّرها كثيرون من أبناء الطائفة الشيعية على أنها احتفال بذكرى مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، حفيد الرسول، على يد جيش يزيد بن معاوية. وهو فعل اعتُبر إساءة جارحة لمشاعر مكوّن واسع من العراقيين الذين يحيون عاشوراء بكل وقار وحزن.
في المقابل، نشر الشاعر عبد الحسين الحاتمي قصيدة أثارت استياءً واسعًا بين جمهور الطائفة السنية، إذ رأوا فيها إساءة لبعض الصحابة، ما أثار بدوره ردود فعل غاضبة وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي.
اشتعال المنصات بالتراشق لا الحوار
في كلا الحالتين، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة لتبادل الاتهامات، وارتفعت حدة الخطاب الطائفي إلى مستويات مقلقة، ما يهدد بتقويض التماسك المجتمعي في بلد يعاني أصلًا من هشاشة في العلاقات بين مكوناته.
فبدلًا من أن تكون هذه المنصات أدوات للحوار والتفاهم، تحولت إلى منابر للكراهية والشيطنة، تغذيها الحسابات الوهمية أحيانًا، وتقصير مؤسسات الرقابة الحكومية في أحيان أخرى.
التحدي القانوني: حماية الحريات أم درء الفتنة؟
ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 19 منه، الذي يعد العراق طرفًا فيهما، على أن حرية التعبير حق مكفول، لكنهما يقيدان هذا الحق عندما يتحول إلى دعوة للكراهية الدينية أو الطائفية او التحريض على العنف والاساءة. لكن الإشكالية الكبرى تكمن في تحديد ما إذا كان الفعل "تعبيرًا عن الرأي" أم "تحريضًا على الكراهية"، وهو خط رفيع وشائك. فهل كان توزيع الحلوى فعلًا استفزازيًا؟ وهل ما قاله الشاعر يدخل في النقد التاريخي أم أنه تجاوزٌ مسيء؟ هذه أسئلة تحتاج إلى مراجعة قضائية دقيقة تستند إلى القانون لا المزاج العام أو الضغط الشعبي.
مسؤوليات متعددة تقع على عاتق الحكومة والسلطات المعنية، فضلا عن دور المنصات الرقمية العالمية، والمجتمع. فعلى الدولة أن تضمن إنفاذ القانون بدون انتقائية أو انتقام، وتحقيق التوازن بين الحريات العامة وحماية السلم الأهلي، وعلى منصات التواصل الاجتماعي أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والتقنية في رصد وحذف المحتوى التحريضي. بينما يُنتظر من الإعلام والمجتمع المدني والسلطات التنظيمية أن ينهض كل منهم بدوره في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح بدلًا من الانجرار خلف منطق الاصطفاف المذهبي والطائفي المفضي الى الكراهية.
العراق... والاختبار الأصعب
ما جرى ليس حادثًا عابرًا، بل يعكس التحدي المستمر الذي يواجهه العراق في إدارة تنوعه الديني والطائفي والثقافي ضمن فضاء مفتوح وسريع كالفضاء الرقمي. فالاستدعاءات القضائية، وإن جاءت بدافع حماية النظام العام، إلا أنها راعت ضمانات حرية التعبير والمحاكمة العادلة، حيث اخلي سبيلهما اليوم لعدم القناعة بالتهم المسندة لهما وهو اجراء يحسب إلى محكمة النشر والاعلام في الكرخ ببغداد. لكن القصة لم تنتهي فهي تتجدد يوميا وفي كل حين طالما ان الوعي المجتمعي لايزال منقادا عبر التحريض المستمر في شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي ظل هشاشة الموقف، يحتاج العراق أكثر من أي وقت مضى إلى خطاب عقلاني، ومؤسسات إعلامية ومجتمعية وسلطة تنظيم قادرة على خفض حدة الأزمات لا تأجيجها.
انتهى.









