سيناريوهات متوقعة لشح المياه وتلوثها في العراق
- KDTS
- 5 سبتمبر
- 5 دقيقة قراءة

بارومتر العراق: فريق المتابعة الصحفية-
يشهد حوض دجلة–الفرات انخفاضًا حادًا في الإيرادات المائية بسبب تغيّر المناخ، وتكرار موجات الجفاف، والتخزين/التحكم المائي خارج الحدود، عبر سياسات تركيا المائية ما قلّص الجريان في مجرى النهرين وفروعهما وصولًا إلى شط العرب. هذا الانخفاض قلّل قدرة الأنهار على تخفيف الملوثات، وفتح الباب أمام أزمات صحية وبيئية، كما وقع في البصرة وكربلاء والديوانية بسبب تلوث المياه وارتفاع الملوحة.
على المستوى الخدمي، ما يزال جزء كبير من الصرف الصحي يُصرَّف مباشرةً إلى دجلة والفرات من دون معالجة فعالة، فيما لا تتجاوز التغطية الكافية للصرف الصحي ثلث السكان على المستوى الوطني، ومع تفاوت شديد بين المدن والريف. وتُقدِّر دراسات حديثة أن آلاف الأطنان من مياه الصرف غير المعالجة تُضخ يوميًا في مجرى دجلة داخل بغداد.
مصادر التلوث المائي الرئيسة
الصرف الصحي البلدي غير المعالج، محمّل بمؤشرات تلوث برازي (الكوليفورم/الإيشيريشيا كولاي)، فيروسات معوية، وطفيليات (جيارديا/كريبتوسبوريديوم)، ومغذّيات (أمونيا/نترات/فوسفات) ومركبات عضوية قابلة للكلورة. وهو أخطر مصدر ميكروبي على صحة الإنسان وفق إرشادات منظمة الصحة العالمية.
مصارف البزل الزراعي، تحمل أملاحًا مذابة عالية، وبقايا أسمدة (نترات/فوسفات)، ومبيدات، ومعادن متحركة في التربة. دراسات على مقاطع من الفرات داخل الديوانية وثّقت حملًا ملحوظًا للملوثات من المصارف غير المعالجة.
الملوحة/الاندفاع الملحي في شط العرب، مع ضعف التصاريف، يتقدم لسان ملحي من الخليج داخل مجرى شط العرب، إذ رُصدت قيَمًا مرتفعة جدًا للأملاح الكلية (TDS) في السنوات الأخيرة، ما يجعل المياه غير ملائمة للشرب والري ويضرّ الشبكات ومحطات المعالجة.
تصريف الرجيع الملحي من محطات التحلية، عندما لا يُدار الرجيع الملحي بصورة سليمة ويُعاد للنهر، يفاقم ملوحة المجاري المائية المتعبة أصلاً.
ماذا يحدث علميًا عند انخفاض التصاريف المائية؟
انحسار قدرة التخفيف/التميع (Dilution)، اذ ينخفض حجم الماء القادر على تخفيف الملوثات، فتزداد تراكيزها الفعلية في العمود المائي.
هبوط الأكسجين الذائب بالماء مع ارتفاع الحرارة والركود، ما يدعم نمو الجراثيم الاختيارية واللاهوائية وتكوّن روائح كبريتيدية، ويغيّر كيمياء النهر باتجاه اختزال المعادن وتحريرها من الرواسب.
تفاقم الأحمال الميكروبية، انخفاض الجريان يطيل زمن المكوث ويُحسّن فرص بقاء مسببات الأمراض (إسهالات، كوليرا، التهاب كبد A وE، طفيليات) على قيد الحياة وانتقالها. تؤكد إرشادات منظمة الصحة أن الخطر الأكبر مرتبط بالتلوث بالبراز البشري/الحيواني.
ازدياد المغذيات والطحالب، وفرة النيتروجين/الفوسفور مع الشمس والركود تُطلق أزهارًا طحلبية، وقد تنتج سموماً (سيانوتوكسينات) تعبر وحدات التنقية التقليدية بصعوبة، وتزيد نواتج التطهير المكلورة.
ارتفاع الملوحة والقلوية، يُشاهد بوضوح جنوبًا (شط العرب) حيث يتقدم اللسان الملحي ويؤدي إلى TDS/كلوريد وصوديوم مرتفعين، مع آثار تآكلية على الشبكات وصعوبات تقنية في المعالجة.
لماذا تتعثر محطات التصفية والتنقية التقليدية؟
الكلورة وحدها لا تكفي، الكريبتوسبوريديوم مثلًا مقاوم نسبيًا للكلور؛ والكلورة تصبح أقل فاعلية بوجود عكارة عالية ومواد عضوية. يلزم تخثير–ترسيب–ترشيح محكم، وقد يلزم أوزون/أشعة UV أو أغشية دقيقة.
ارتفاع العكارة والمادة العضوية يزيد من تكوّن نواتج التطهير (ثالوميثانات، هالوأسيتيك أسيدز) ذات مخاطر مزمنة إذا تجاوزت الحدود. (مرجع تنظيمي: NPDWR).
الملوحة العالية لا تُزال بالتقنيات التقليدية (ترسيب/ترشيح سريع/كلورة)؛ تحتاج لتحلية أغشوية (RO) أو تبادل أيوني. إدارة الرجيع الملحي تصبح تحديًا بيئيًا إذا أعيد للنهر.
ذبذبات مفاجئة في الجودة (اندفاع ملوثات بعد أمطار أو تفريغ قنوات) تُربك الضبط التشغيلي وتزيد مخاطر تجاوزات ميكروبية وكيميائية. (إطار “خطة سلامة المياه” الموصى به من WHO).
التأثيرات الصحية المتوقعة على السكان
الجلد والعينان، التهاب الجلد التماسي، حكة، جروح صغيرة تُعد بوابة لعدوى بكتيرية، تفاقم الأكزيما/الصدفية، التهابات ملتحمة. الأملاح العالية والـTDS تخرّش الجلد وتزيد الجفاف. (استدلال علمي مدعوم بسوابق من محافظات الجنوب منذ عام 2018 وتوثيق المنظمات الدولية).
غسل الخضار/الفواكه بماء ملوث يترك حملًا ميكروبيًا على سطحها؛ الطهي قد لا يقتل أكياس الطفيليات دائمًا، خصوصًا مع طهي سريع/ناقص. رُجّحت مشاركة الملوحة العالية مع تلوث برازي غير معالج في أزمة كربلاء موخرا وحالات التسمم العالية.
عند الشرب (حتى بعد “تنقية” غير كافية)
أمراض حادة منقولة بالماء، إسهالات حادة، كوليرا، تيفوئيد/باراتيفوئيد، التهاب كبد A وE، جيارديا/كريبتوسبوريديوم—تمثل أعلى عبء صحي وفق WHO.
سمّية مزمنة/كيميائية:
نترات → خطورة “ازرقاق الأطفال” (ميتهيموغلوبينية الرضع).
نواتج التطهير المكلورة عند تراكيز مرتفعة وطويلة الأمد ترتبط بمخاطر سرطانية أعلى. (مرجع تنظيمي: NPDWR/WHO).
ملوحة مرتفعة (صوديوم/كلوريد) قد تفاقم ارتفاع الضغط وأمراض الكلى/الحصيات لدى الفئات الحساسة.
مبيدات ومعادن من البزل/الرواسب قد تُراكَم وتسبب سمية كبدية/عصبية على المدى البعيد. (دراسات نوعية محلية على الفرات/الديوانية).
سيناريوهات قابلة للحدوث خلال المواسم/السنوات المقبلة
مع توقع أن يشهد العراق مواسم صيفية أكثر حدة مع تقدّم اللسان الملحي في شط العرب، وحصول انقطاعات متكررة للمياه الصالحة للشرب، وعودة أنماط من التسممات المعوية ما لم تُدار الملوحة والملوثات عند المصدر.
"قمم تلوث” بعد ان تاتي أمطار أولى/سيول بسيطة او قوية تقوم بكنس الملوثات المتراكمة على اليابسة إلى الأنهار ودفع أحمال ميكروبية/كيميائية مفاجئة تتجاوز قدرة المحطات، ممايدعو لإدارة المخاطر ديناميكيًا عبر WSP محطات تخصصية).
تعد بغداد ومدن الوسط حواضن كبرى لضخ الصرف غير المعالج عبر دجلة مما يعني بقاء مخاطر الإسهالات/الطفيليات وتهديدات موضعية في نقاط السحب لمحطات التحلية. تقارير دولية سُجلت تراكيز بكتيرية برازية تتجاوز الحدود الآمنة في دراسات منشورة موخرا.
ما الذي “يحصل وكيف” بالتتابع عند انخفاض المنسوب مع وجود صرف صحي وبزل زراعي واستخدام مياه جوفية؟
ينخفض الجريان ⇒ تقلّ القدرة على التمييع ⇒ ترتفع تراكيز المؤشرات البرازية والممرضات.
ترتفع العكارة والمواد العضوية الذائبة ⇒ تحتاج جرعات كلور أعلى ويزداد تكوّن نواتج تطهير.
تدخل مغذّيات من الصرف والبزل ⇒ تزهر الطحالب/السيانوبكتيريا ⇒ قد تُفرز سمومًا يصعب على المعالجة التقليدية إزالتها.
يزداد الـTDS والملوحة من البزل واللسان الملحي ⇒ يصبح الماء غير مقبول حسيًا وصحيًا ويُجهد المحطات، ويؤدي إلى ترسّب/تآكل في الشبكات المنزلية.
إن استُخدمت التحلية من دون إدارة رجيع، يُعاد مركز الأملاح للنهر ⇒ تتفاقم الحلقة.
توصيات علمية وعملية عاجلة
وقف/تقليل التصريفات غير المعالجة إلى نقاط السحب فورًا (تحويلات مؤقتة، وحدات كلورة طارئة عند المخارج، وتشغيل محطات معالجة قائمة/طارئة). توثّق الدراسات أن الصرف غير المعالج هو العبء الأكبر.
إدارة الملوحة في شط العرب: حلول هندسية مثل حواجز/بوابات مضادة للاندفاع الملحي، وتشغيل تكاملي مع الإطلاقات العذبة وتخزين محلي.
تحسين المعالجة: إضافة UV/أوزون أو ترشيح دقيق لمواجهة الطفيليات المقاومة للكلور؛ التحكم في الجرعات وفق العكارة؛ مراقبة نواتج التطهير وفق حدود WHO/EPA.
إدارة رجيع التحلية: بحيرات تبخير/تصريف مدروس بعيدًا عن مجرى النهر لتفادي إعادة تركيز الأملاح.
خطط سلامة المياه (WSP) على مستوى كل مدينة (تقييم منهجي للمخاطر من المصدر حتى المستهلك، مع مراقبة تشغيلية سريعة الاستجابة).
على مستوى الأسرة
الغليان الجيد للماء المخصص للشرب/تحضير أطعمة الرضع عند الشك بالجودة الميكروبية (لا يُزيل الملوحة).
المرشّحات المنزلية: فلاتر كربونية + شمعة 0.5–1 ميكرون تقلل العكارة والمركبات العضوية؛ للملوحة العالية يلزم وحدات RO منزلية مع صيانة صارمة والتخلّص الآمن من الرجيع.
التعامل مع الجلد: تخفيف الاستحمام بمياه عالية الملوحة/العكارة، استخدام مرطّبات حاجزة، وتجنّب غسل الوجوه والخضروات بمياه الصنبور غير الموثوقة جنوبًا خلال الذروات.
حماية الفئات الحساسة: ماء منخفض الصوديوم للحوامل ومرضى الضغط والكلى؛ منع ماء مرتفع النترات عن الرضّع؛ الانتباه لعلامات الجفاف/الإسهال وطلب الرعاية الطبية المبكرة.
ان انخفاض التصاريف من بغداد حتى البصرة يخلق ظروفًا مثالية لتكثيف التلوث الميكروبي والكيميائي والملحي. تُبيّن السوابق أن خليط الملوحة العالية والصرف غير المعالج يمكن أن يطلق أزمات صحية جماعية خلال أسابيع الصيف. المعالجات التقليدية وحدها لا تضمن أمان الشرب عند ذُرى التلوث، وتحتاج المدن إلى منهجية إدارة مخاطر شاملة (WSP)، وتجفيف مصادر التلوث عند المنبع، وخيارات هندسية لإيقاف الاندفاع الملحي، مع تواصل صحي مجتمعي يُرشِد الأسر إلى ممارسات وقاية آنية.
انتهى.