نحن على حافة الهاوية: ثلاثية الرعب في زمن التغوّل الأمريكي ـ الإسرائيلي
- KDTS
- 26 سبتمبر
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت
لم يعد المشهد العالمي كما عهدناه. القواعد التي رسمت العلاقات الدولية منذ مؤتمر فيينا (1815) وما بعد الحرب العالمية الثانية، لم تعد صالحة لضبط هذا الانهيار المتسارع في توازن القوى. نحن لا نشهد مجرد تحوّل في النظام الدولي، بل نعيش انهيارًا شاملًا، حيث تسقط الأخلاقيات أمام براغماتية عارية، ويُستبدل القانون الدولي بالقوة الغاشمة، وتتحول الدبلوماسية إلى صمت مذل او ادانة خجولة.
العالم اليوم يبدو كمن يعيش حالة رعب لا يستطيع إيقافها. وفي قلب هذا المشهد، تبرز إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة، لتقود حربًا متعددة الأوجه: حرب تدمير شامل، حرب تجويع، حرب إبادة ثقافية، وحرب نفسية، تُنفَّذ جميعها تحت شعار “الدفاع عن النفس”. لكن التاريخ يُكتب الآن بدماء الأطفال في غزة، وبأنقاض المستشفيات في رفح، وبجثث النساء المدفونة تحت الركام في خان يونس.
الصف الأول: تحالف الوحشية المقنّعة
لم يعد العالم مقسومًا إلى “أعداء” و”حلفاء”، بل إلى صيادين وفرائس. الصف الأول تقوده أمريكا وإسرائيل، ومن خلفهما آلة عسكرية وإعلامية لا تُحاسب ولا تُردع. تحالف يمتلك التكنولوجيا، السلاح النووي الضمني، الفيتو في مجلس الأمن، والقدرة الإعلامية والمعلوماتية على تزييف السرديات.
ما يجري في غزة ليس حربًا، بل مذبحة مُمنهجة بمعايير القرن الحالي: طائرات مسيرة تضرب أهدافًا مختارة عبر الذكاء الاصطناعي، قنابل تسقط على مدارس ومستشفيات، حصار يُحوّل شعبًا بأكمله إلى سجناء جوعى. وما حدث في لبنان من قبل، وما قد يتكرر اليوم، ليس سوى فصل آخر في هذه المسرحية السوداء.
الصف الثاني: التردد المميت
في المقابل، تقف قوى كبرى — الصين، روسيا، الهند، باكستان — على خط الهاوية. تمتلك هذه الدول السلاح النووي والتكنولوجيا، لكنها تعاني من تردد قاتل. تخشى دفع العالم إلى مواجهة شاملة، فتكتفي ببيانات باهتة، أو عقوبات رمزية، أو مساعدات إنسانية محدودة.
إنه جدار ردع متصدع: يملك القوة، لكنه يفتقد الإرادة السياسية الموحدة. وفي هذا التردد، تمنح القوى الكبرى ضوءًا أخضر للصف الأول كي يتمادى أكثر في القتل والتهجير.
الصف الثالث: نعاج الصمت
أما الغالبية الساحقة من دول العالم — ما يُسمى بـ”الجنوب العالمي” — فقد تحولت إلى قطع شطرنج في لعبة الكبار. لا تملك صوتًا ولا وزنًا. تُبتلع اقتصاديًا عبر القروض، وسياسيًا عبر التبعية، وعسكريًا عبر قواعد أجنبية.
هذه الدول تُجبر على الصمت؛ فخبزها مرهون بواشنطن، وسلاحها مصدره التحالف الغربي، واقتصادها مربوط بصندوق النقد الدولي. وحتى إن أرادت أن تصرخ، فإن صوتها يُخنق في مهده. إنها النعاج الصامتة التي تُقاد إلى المسلخ دون مقاومة.
تكنلوجيا الاتصالات والمعلومات: سلاح الرعب الجديد
الأخطر من كل ذلك هو هذا الزواج المظلم بين الحرب والتكنولوجيا. لم تعد الحروب تدار بالجيوش فقط، بل بالذكاء الاصطناعي، بالطائرات المسيرة، بالهجمات السيبرانية التي تُعطل مستشفيات وتُغرق مدنًا في الفوضى. التكنولوجيا التي بُنيت كأداة للتنمية، تحولت إلى سوط جديد بيد الجلاد، تُستخدم للهيمنة بدل الحماية.
الخلاصة: نحو كارثة وجودية
العالم يقف اليوم أمام كارثة وجودية. ليس بسبب شدة الحروب فقط، بل لأن الضمير الجمعي للبشرية مات. الأمم المتحدة صارت مسرحًا للخطب الفارغة، والقانون الدولي تحوّل إلى ورقة تمويه في أيدي الأقوياء.
إن استمر هذا المسار، فلن يكون أحد في مأمن: الصف الثاني قد يُجر إلى حرب لا يريدها، الصف الثالث قد يُمحى من الخريطة، وحتى الصف الأول سيكتشف يومًا أن الوحش الذي صنعه سينقلب عليه.
السؤال لم يعد: من سينتصر؟
بل: هل سيبقى أحد ليحكي القصة؟
انتهى.