top of page

مؤتمرات العراق ورقصة التانغو: حفلات محلية مكلفة بعناوين دولية!

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 11 يونيو
  • 2 دقيقة قراءة
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي

بارومتر العراق/ ابو ضي

في بلاد الرافدين، حيث تنبت المؤتمرات كما تنبت الأدغال بعد امطار الربيع، ينعقد كل يوم منتدى جديد يحمل عنوانًا عريضًا يلامس عنان السماء: الحوكمة والامتثال، إدارة المخاطر وتعزيز الشفافية، حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ولا بأس بإضافة كلمة “دولي” اليها كلها كي يبدو الحدث جليلًا بحجم وهمه. تمتلئ القاعة بالحضور الذين قادتهم دعوات مصممة على “كانفا”، زُيِّنت بأعلام الأمم وأسماء الأيام الدولية، فيما يقف الوطن خارج أسوار التصنيفات الدولية حزينا يراقب ثيابه الرثة وسمعته التي لوثها هولاء بفسادهم! يتأمل من بعيد تقارير المؤشرات العالمية وهو في ذيلها، أو لا يُذكر فيها أصلًا.

ترويج دعائي لملتقى الحوكمة!
ترويج دعائي لملتقى الحوكمة!

تبدأ القصة دومًا، مسؤول حكومي استيقظ صباحًا وتأنق بقوة، قرر أن يثبت ولاءه وفعاليته لحزبه أو لرئيسه، فاختار أن يُنظّم حدثًا، لا يهم المضمون، الأهم أن يلتقط صورة وهو يفتتح، ويُلقي كلمةً فيها جمل عن التزام العراق بالمعاهدات الدولية، وأخرى عن دعم القيادة، وثالثة يُختم بها بالدعاء بالامن والسلام. وعلى الجهة المقابلة، في الصف الاول من الشخصيات المتأنقة جدا يجلس مدير منظمة مدنية أو شركة خدماتية تجيد فنون التفاوض والرعاية، همه أن تُضمِّن على هامش النشاط شعار مؤسسته، والأهم: أن يتسلل بنعومة نحو الميزانية، فيقوم منها ما يكفي لتجديد مركبته الالهى بأخرى كاديلاك او يوغن!.

واحدة اخرى !
واحدة اخرى !

يتبادل الطرفان عبارات الإعجاب: المسؤول يثني على الجهود التنظيمية، والمنظمة تشكر الدعم الحكومي!، في مشهد يشبه رقصة “التانغو” بين شريكين لا ينظران في ذات الاتجاه. تنتهي الفعالية، بالتوجه نحو الاوبن بوفيه، وقبلها تُعلَّق اللافتات، ويلتقط الفيديو البطيء المصافحات والابتسامات، في مشهد تمثيلي تلقائي! ثم يُنفض الجمع كما لو أن شيئًا لم يكن. لا أثر للحدث في التقارير الدولية بكل أنواعها! لا ذكر له في نشرات المنظمات الدولية، لا مكان له في سجلات المؤشرات، لأن ما جرى لم يكن أكثر من صدى محلي لحفلٍ بلا جذور ولا صدى خارجي.

يرجع المسؤول إلى مكتبه، يُشاهد الفيديو الذي نشره فريقه الإعلامي، يشعر بالرضا التام، لقد أنفق من مال الدولة ليسوق نفسه وحزبه! وذاك عنده كافٍ. أما مدير المنظمة أو الشركة، فلا ينام، بل يسهر، يعدّ أرباحه، يحسب كم فعالية مثل هذه يحتاج ليجدد منزله أو يسافر لاوربا او إلى حيث تنشط الصالات بالرقص والروليت.

وهكذا يبقى العراق، غنيًّا بالفعاليات المحلية المنقطعة عن السياق الدولي وفقيرًا في مجالس التقارير الدولية!، غزيرًا بالمؤتمرات المحلية وعقيمًا بالنتائج، يسكن خارج الخريطة الدولية، يتأملها بحسرة، فيما حفلاته التنموية لا تُنجب سوى منشورات فيسبوكية، وتغريدات مكررة، وصور مسؤولين يرفعون أيديهم معًا كأنهم أنجزوا شيئًا، والحقيقة أنهم لم ينجزوا سوى حفلة استعراضية أخرى تضاف لسلسلة طويلة من الأوهام المؤطرة بعناوين براقة.

يمضي العالم في طريقه، لا يلتفت كثيرًا لسيناريوهات التزييف المحلي، لأنه يعلم أن التنمية لا تأتي عبر المؤتمرات بل عبر المؤشرات، ولا تُقاس بالنوايا بل بالنتائج، ولا تُعتمد بقرارات داخلية بل بإرادة حقيقية تترجم الالتزامات إلى سياسات، لا إلى صور منمقة ومقاطع موسيقية مرافقة لمؤتمر لم يسمع به أحد!

انتهى.

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page