معجزة الأربعين خارج حدود الوصف: تنظيم وادارة مجتمعية خالصة
- KDTS

- ١٦ أغسطس
- 3 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت-
حاولت جاهدا مع الذكاء الاصطناعي ان نصل إلى ارقام تخمينية توصف معجزة زيارة الأربعين الفريدة من نوعها، لكن عبثا ضاعت قدرة التوصيف تلك. لانها ببساطة تتجاوز حدود المفاهيم المألوفة والمعايير الإنسانية المعتادة. فهنا نحن أمام معجزة حيّة، لا تُقاس بالدموع ولا بالشعارات وحدها، بل حتى الأرقام حين تُستدعى لتفسيرها، تتحول هي الأخرى إلى شاهدٍ على السرّ الإلهي في هذه المسيرة.
أكثر من 21 مليون إنسان، بينهم عراقيون وزوّار من شتى بقاع الأرض، يتحركون كأمواج متصلة نحو مدينة صغيرة هي كربلاء. لو حاولنا أن نقيم الحسابات بعينٍ رياضية، فسوف نكتشف أن الحدث يحتاج إلى ما يشبه “دولة عظمى متنقلة” من الخدمات والموارد والإدارة والتنظيم.
سامحوني إذا اخطات وقصرت في توصيف هذا الحدث الكبير، والمعجزة الإلهية التي تتجلى سنويا في كربلاء.
الغذاء والماء
إذا افترضنا ان معدل الزمن الخاص لأداء الزيارة الأربعينية سيرا على الأقدام هو اسبوع، ولدينا اكثر من ٢١ مليون زائر لهذا العام، وأن كل زائر يحتاج إلى ثلاث وجبات يوميًا ولمدة سبعة أيام، فنحن أمام 441 مليون وجبة. ولو أن كلفة الوجبة الشعبية البسيطة لا تتجاوز خمس دولارات، فإننا أمام أكثر من ٢.٢ مليار دولار. أما الماء، فالإنسان الواحد يستهلك يوميًا نحو 25 لترًا للشرب والاستخدامات الأخرى في ادنى حد، وهذا يعني أن المسيرة تحتاج إلى 3.7 مليار لتر ماء، اي ما يعادل حمولة آلاف الخزانات العملاقة من المياه وقد تصل الكلفة التخمينية إلى مليار دولار.
المبيت والخدمات
لو قلنا ان كل عشرة أشخاص بحاجة إلى غرفة واحدة، أي أن المسيرة تحتاج إلى 2.1 مليون غرفة موزعة بين البيوت والحسينيات والخيم والمواكب. ولو أن تجهيز كل غرفة بما يلزم يكلف ١٠٠ دولارًا لليلة، فسنكون أمام ٢٠٠ مليون دولار لمبيت هذا الكم البشري لليوم الواحد اي ١.٤ مليار دولار لأسبوع واحد.
النقل والطاقة
لنفترض أن ربع الزائرين استخدموا الحافلات أو السيارات لمسافات مختلفة. نحن إذن أمام أكثر من 5 ملايين راكب يحتاجون إلى مئات آلاف المركبات. إذا كان متوسط استهلاك الوقود لتلك الرحلات يتجاوز المليار لتر، فإننا نتحدث عن كلفة تقارب 1.6 مليار دولار للوقود وحده. أما الغاز المستخدم للطهو، فيبلغ استهلاكه آلاف الأطنان يوميًا، والكهرباء المولدة على طول الطريق قد توازي استهلاك مدينة كبيرة. ومع حساب عودة الزوار وكلف نقلهم ايضا فتصبح الكلف التخمينية بناء على عدد الزوار قرابة ٢ مليار دولار.
الصحة والعلاج
مستشفيات ميدانية، سيارات إسعاف، أطباء ومتطوعون، وأدوية تقدر بملايين الدولارات. بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن الكلفة الطبية وحدها قد تتجاوز 200 مليون دولار، إذا حُسبت وفق معايير عالمية.
الخلاصة بالارقام
إذا جمعنا الغذاء والماء والمبيت والنقل والطاقة والعلاج والخدمات، فإننا أمام كلفة تخمينية تترواح بين ٨-١٠ مليار دولار في الحد الأدنى، وقد ترتفع إلى ضعفي هذا الرقم إذا شملنا كل التفاصيل غير المنظورة، كالنفايات، التنظيف، الأمن، تنظيم السير، وحتى خسائر العمل التي يتركها المشاركون خلفهم.
لكن، ورغم ضخامة الأرقام، تظل الحقيقة الأعمق أن هذه الكلفة لا تتحملها دولة واحدة ولا ميزانية مركزية؛ بل تتوزع على ملايين الأيادي التي تمتد بالعطاء حبا بالحسين سبط الرسول الأعظم ص. مواطن يفتح بيته، أسرة تُطهو الطعام، أطفال يوزعون الماء، طبيب يترك عيادته ليخدم في الطريق. كأنما هذه الأمة كلها تتحول إلى جسدٍ واحد ينهض بخدمة الزائرين.
وهنا تكمن المعجزة
أن تتحرك كتلة بشرية هائلة بهذا الانضباط، أن تتوفر لها موارد لو اجتمعت لجيوش جرارة لاحتاجت إلى دول تنفق عليها وقد تفشل، ومع ذلك نجد هذا الحدث المليوني يدار بلا مؤسسة مركزية وإن سطرت الحكومة ومؤسساتها اقاويل ودعايات نجاح الخطط!.
الأرقام هنا قد تُضعف من قيمة الحدث من حيث التصورات، أن هذا الحدث فوق الطبيعي، وأنه تجلٍّ حيّ لإرادة إلهية تسير بالقلوب قبل الأقدام.
فالأربعين ليست مجرد زيارة، بل هي أعظم “حدث إعجازي وبلا موازنة مكتوبة” يشهده التاريخ.
عظم الله أجورنا وأجوركم.
انتهى.






