مكالمة رومبيو-السوداني تحمل في طياتها مضامين خطيرة!
- KDTS

- 23 يوليو
- 4 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 24 يوليو

بارومتر العراق/ ابو ضي السوداني-
سلط البيان الصحفي الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي الضوء على عدة نقاط مهمة وكشفت عن تعقيدات العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، وتثير تساؤلات حول وضع السيادة العراقية والمخاطر المحتملة على استقراره.
من الواضح ان الاتصال بين السوداني وروميو اتى بعد الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية في إقليم كردستان العراق وصلاح الدين وكركوك، وقد تزامن "مع اتفاق المبادئ بين وزارة النفط والشركات الأمريكية المستثمرة العاملة في الإقليم، لاستثمار عدد من الحقول النفطية في كركوك وصلاح الدين". هذا التزامن المريب يفتح الباب أمام عدة تفسيرات نورد بعضها:
* ضغوط أمريكية غير مباشرة, يمكن تفسير هذا التزامن على أنه إشارة إلى أن الهجمات، سواء كانت مدبرة أو لم تكن، قد تستغل لتعزيز المصالح الأمريكية في قطاع النفط العراقي. تزامنها مع اتفاقات استثمارية أمريكية يعطي الانطباع بأن هناك "أجندة" أكبر تخدم المصالح الأمريكية الاقتصادية في العراق، خاصة في المناطق المتنازع عليها نفطياً.
* رسالة تحذير, قد يكون هذا الاتصال بمثابة رسالة موجهة القوى الشيعية في العراق.
فيما يرى مراقبون ان الهجمات التي تنتقدها امريكا تصب في صالح أهدافها باضعاف السيادة العراقية، بغض النظر عن الجهة المسؤولة، فإن استمرار الهجمات على المنشآت النفطية في ظل وجود قوات التحالف الدولي يهدف إلى إظهار ضعف القدرة العراقية العسكرية على حماية بنيتها التحتية، مما قد يستدعي تدخلاً أو "مساعدة" خارجية أكبر، وهو ما يعزز النفوذ الأجنبي ويديم بقاء القوات الاجنبية داخل العراق وهذا المطلب لطالما نادى به الساسة السنة والأكراد في الحكومة العراقية وخارجها.
ركزت رسالة وزير الخارجية الأمريكية على قانون الحشد الشعبي ومسار الإصلاح الأمني. يرد السوداني موضحا بأن القانون يأتي "ضمن مسار الإصلاح الأمني الذي انتهجته الحكومة، وهو جزء من البرنامج الحكومي المعتمد من مجلس النواب". هذا التوضيح من رئيس الوزراء للسفير الأمريكي حول قانون داخلي عراقي يُعد مؤشراً مهماً يحمل بعض المضامين ومنها:
* تطمينات، إن مناقشة قانون الحشد الشعبي مع وزير الخارجية الأمريكي، وتأكيد كونه "مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة"، يمكن أن يُفهم على أنه محاولة من السوداني لطمأنة واشنطن بأن الحشد الشعبي سيخضع لسلطة الدولة ولن يكون خارج السيطرة، وهو ما يتماشى مع المطالب الأمريكية بدمج الفصائل المسلحة ضمن المؤسسات الرسمية أو تحجيم نفوذها.
* ضغط أمريكي مباشر، إن إثارة هذا الموضوع من قبل الجانب الأمريكي يشير إلى قلق واشنطن من نفوذ الحشد الشعبي، خاصة الفصائل المقربة من إيران. وبالتالي، فإن حديث السوداني عن "الإصلاح الأمني" ودمج الحشد في المؤسسة العسكرية العراقية قد يكون استجابة لضغوط أمريكية مستمرة للحد من استقلالية هذه الفصائل.
* تهديد صريح للشيعة العراقيين (فصائل المقاومة)، بالنسبة لبعض الفصائل الشيعية المسلحة التي ترى نفسها قوة مقاومة ضد الوجود الأجنبي، فإن مناقشة قانون الحشد الشعبي بهذه الطريقة قد يُنظر إليه كتهديد مباشر لنفوذهم واستقلاليتهم. محاولة "إضعاف" الحشد وإخضاعه الكامل لسلطة القائد العام (وهو المنصب الذي يشغله رئيس الوزراء) يمكن أن يُفسر على أنه محاولة لفك ارتباطه بمرجعيات أخرى أو تقويض دوره كقوة موازية. هذا يمكن أن يثير توترات داخلية بين الحكومة وبعض فصائل المقاومة.
ثالث النقاط التي تطرق لها وزير خارجية امريكياً، كانت عن إقليم كردستان ونفطه، فقد أشار السوداني إلى أن التزام حكومة إقليم كردستان العراق بتسليم النفط المنتج والإيرادات غير النفطية إلى الخزينة العامة "قدّ ساعد على حل العقبات المالية والقانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم".
على الرغم من أن حل النزاعات بين المركز والإقليم يبدو إيجابياً، فإن تدخل اي نفوذ قوة خارجية في القضايا الداخلية الحساسة يقلل من السيادة العراقية الكاملة. وان الاعتماد على الضغط الخارجي لحل المشكلات الداخلية قد يخلق سابقة خطيرة ويجعل العراق أكثر عرضة للتدخلات المستقبلية.
هل نقاط المكالمة هي توجيهات للسوداني وتهديد للشيعة؟
بناءً على سياق المحادثة بين وزير خارجية ىرئيس وزراء دولة، يمكن القول إن الاتصال لم يكن مجرد "استعراض للعلاقات"، بل كان يحتوي على رسائل ذات أبعاد عميقة.
يمكن اعتبار نقاط الاتصال المتعلقة بالنفط والحشد الشعبي بمثابة توجيهات أو إشارات قوية من الجانب الأمريكي إلى رئيس الوزراء السوداني بشأن السياسات التي تفضلها واشنطن في هذه الملفات الحيوية. يُطلب من السوداني، بشكل ضمني، أن يتخذ خطوات لضمان استقرار النفط (الذي يخدم مصالح الشركات الأمريكية)، وأن يُحكم سيطرة الدولة على الحشد الشعبي، وتقليل نفوذ الفصائل القريبة من إيران.
بالنسبة للحشد الشعبي الذي يرى في الوجود الأمريكي تهديداً، فإن محاولة "تأطيره" وإلغاء قانونه يمكن أن يُفسر على أنه تهديد مباشر لنفوذهم المستقل. إن هذا التحرك يهدف إلى تحجيم قوتهم وتقليل قدرتهم على العمل والبقاء كقوة ردع ضد اي تهديد ارهابي قد ياتي من غرب العرق داخل وخارج الحدود الغربية. يمكن أن يؤدي هذا إلى استياء وتوترات داخلية، خاصة إذا شعرت هذه الفصائل بأنها مستهدفة بضغوط خارجية.
يُظهر البيان بوضوح كيف أن الولايات المتحدة، من خلال وزير خارجيتها، تتدخل بعمق في القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية الداخلية للعراق. النقاط التي تم التركيز عليها (الاستقرار الإقليمي، الهجمات على المنشآت النفطية، قانون الحشد الشعبي، وملف النفط بين المركز والإقليم) ليست مجرد محادثات ودية، بل هي قضايا استراتيجية تهدف الولايات المتحدة من خلالها إلى ضمان مصالحها الاقتصادية خاصة في قطاع النفط والطاقة، وتحجيم نفوذ القوى التي لا تتماشى مع مصالحها.
إن هذه المحادثات، بهذه المضمون، تشكل مخاطر حقيقية على السيادة العراقية الكاملة. فالعراق يبدو وكأنه يتلقى "توجيهات" حول كيفية إدارة قضاياه الداخلية، وخاصة تلك التي تتقاطع مع مصالح القوى الكبرى. هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى تأجيج التوترات الداخلية،خاصة بين الحكومة والفصائل المسلحة إذا شعرت الأخيرة بأنها مستهدفة. وهي بطبيعة الحال تحد من حرية القرار العراقي في اختيار شركائه الاقتصاديين أو في تحديد سياسته الأمنية.
وينظر محليا على مستوى المكون الأكبر في العراق بان مثل هذه الطلبات الأمريكية بمثابة ترسيخ للنفوذ الأجنبي، حيث تصبح الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً ليس فقط في الملف الأمني، بل في الاقتصاد والسياسة الداخلية أيضاً.
في النهاية، يجد العراق نفسه في موقف صعب، يحاول فيه الموازنة بين الحفاظ على علاقاته الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة كقوة مؤثرة، وبين حماية سيادته ومصالحه الوطنية في ظل صراعات إقليمية ودولية معقدة. السؤال الأهم يبقى: إلى أي مدى يمكن للعراق أن يتخذ قراراته المستقلة دون أن تُفهم على أنها خروج عن "التوجيهات" الأمريكية؟
انتهى.





