top of page

وهم طحن المدن ومآلات الصراع الجاري في الشرق الأوسط

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 15 يونيو
  • 2 دقيقة قراءة
ree

بارومتر العراق / ابو ضي

في كل مرة تشتعل فيها المواجهة في الشرق الأوسط، تُستعاد سرديات القوة المفرطة، ويُعاد تسويق وهم “سحق الخصم” و”طحن المدن”، كما لو أن الواقع الجغرافي والبشري والسياسي قابل للتدمير بضغطة زر . وفي ضوء الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، يتكئ بعض المراقبين، بل حتى بعض الساسة، على نماذج سابقة من حرب حزب الله مع اسرائيل أو سلسلة الحروب على غزة، ليقيسوا عليها قدرة إسرائيل على “تكرار النصر” ضد طهران. لكن هذا القياس بكل بساطة يسقط منطقيا وسطحي.

وعل الرغم من ان اسرائيل حشدت كل قوتها، وغطت الأجواء بطائراتها الحديثة، ودمّرت البنية التحتية لجنوب لبنان من جسور ومصانع ومحطات. ومع ذلك، وبعد اشهر توقفت الحرب دون تحقيق هدفها المعلن. القرى صمدت رغم الألم والجنوب على هشاشته الجغرافية لم يُبتلع.

فكيف يمكن – بمنطق استراتيجي بسيط – مقارنة ذلك بإيران؟ دولة بحجم قارة، تملك جبالاً وحدوداً ممتدة مع أكثر من ١٧ دولة، وسواحل طويلة تطل على المضائق الحيوية في العالم. إيران ليست جيباً معزولاً ولا هدفاً محاصراً. إنها دولة ذات بنية أمنية متشابكة، وشبكة تحالفات تمتد من غرب آسيا إلى المتوسط.

أما غزة، تلك البقعة المحاصرة، فكم أنفقت إسرائيل من صواريخ وأسلحة وأموال؟ كم مرة أعلنت النصر؟ لكن غزة لم تركع، وحماس ما زالت، برغم كل محاولات الخنق، تطلق الصواريخ وتدير الصراع. إذا كانت إسرائيل عاجزة عن “إخماد” غزة، فكيف بإمكانها أن تنهي إيران؟


ree

إيران اليوم ليست فقط قوة عسكرية، بل هي عقدة جيوسياسية في قلب آسيا. تمتلك عمقاً استراتيجياً لا يُقارن، وموقعاً يؤثر في سوق الطاقة العالمي، وقدرة على المناورة عبر وكلائها من العراق إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن. كما أن ساحات الحرب ليست مغلقة؛ فكل نقطة اشتباك قد تتحول إلى أزمة إقليمية: مضيق هرمز، القواعد الأمريكية، أمن الخليج، وغيرها.

وفي خضم هذا التصعيد، يطلّ دونالد ترامب – اليوم الذي طالما قدّم نفسه كصانع صفقات – ليدعو إلى اتفاق بين إيران وإسرائيل. دعوة غريبة من رجل انسحب من الاتفاق النووي ذاته وأشعل فتيل الأزمات في ولايته الثانية. فهل هي صحوة ضمير؟ أم مناورة خبيثة؟ أم إدراك متأخر بأن الحرب مع إيران لا يمكن الانتصار فيها وفق المنطق التقليدي؟

او لعلها تقنية الإيهام والخداع للضرب بقوة وعنف، حيث يتقن الغرب وأمريكا إيهام محور المقاومة بمعسول الكلام وما يلبث سلاحهم ان يغتال قيادات المحور.

ترامب يعرف، ولو من باب الحسابات التجارية، أن كلفة الحرب مع إيران تفوق بأضعاف كلفة الحروب السابقة. يدرك أن أي شرارة في طهران ستضيء الخليج كله، وربما تسحب الاقتصاد العالمي إلى أزمات غير قابلة للسيطرة. ولذلك، حين يدعو إلى “اتفاق”، فإنما يعكس الخوف من السقوط في فخ الحرب الكبرى، لا الرغبة في السلام الحقيقي.

الشرق الأوسط ليس مسرحاً لتكرار السيناريوهات الماضية. كل مواجهة جديدة تحمل جغرافيا جديدة، وموازين قوى جديدة. إسرائيل قد تملك القدرة على ضربات موجعة، لكنها لا تملك القدرة على طحن دولة بحجم إيران. ومن يراهن على نموذج جنوب لبنان أو غزة، يتجاهل الفارق الهائل في الحجم والتأثير والقدرات.

انتهى!

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page