٧٠٠ ألف ورقة باطلة… احتجاجٌ صامت يهزّ شرعية العملية السياسية!
- KDTS

- 18 نوفمبر
- 3 دقيقة قراءة

بارمتر العراق/ كتب ضياء ثابت
لا يمكن المرور على الخبر الذي أعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مرور الكرام، حيث كشفت النتائج النهائية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات عن وجود 729,923 صوتاً باطلاً في عموم المحافظات. هذا الرقم، على ضخامته، يتجاوز عدد المصوّتين في ثلاث محافظات كاملة، ويعادل تقريباً حجم المشاركة الانتخابية في محافظات مثل كربلاء وميسان والديوانية مجتمعـة، أو بعدد ناخبي واسط أو النجف كما ذكر بعض المحللين السياسيين.
ظاهرة بهذا الحجم لا يمكن التعامل معها كـ”تفصيل فني” أو هامش إحصائي، بل تمثّل مؤشراً اجتماعياً صادماً لا يقل خطورة عن حقيقة امتناع نصف العراقيين عن المشاركة في الانتخابات من الأساس. نحن أمام مستويين من الاحتجاج، الاول احتجاج بالصمت عبر المقاطعة، والثاني احتجاج بالفعل عبر إبطال ورقة الاقتراع عمداً.
الورقة الباطلة… رسالة سياسية لا يخطئها السمع
مئات الآلاف من الناخبين لم يذهبوا عبثاً إلى مراكز الاقتراع، ذهبوا لأنهم شعروا بالواجب الوطني، أو ضغطهم المجتمع، أو أرادوا تسجيل موقفهم من العملية السياسية. لكنهم، عند لحظة التصويت، اختاروا “لا أحد”.
هذا الفعل، بتعقيده الرمزي، يكشف فقدان الثقة بالمرشحين، وإن الناخب لم يجد في القوائم المطروحة من يمثّله أو يعبّر عنه أو يحترم عقله. ولهذا عبر عن رفضه بإبطال ورقة الاقتراع. وكأن المواطن يقول: “أشارك كي تُحسب مشاركتي، لكني أرفض أن أمنح شرعية لهذا العرض.” احتجاج مقنَّع تحت سقف المشاركة الانتخابية، وهو تعبير عن سخط مدني دون تبنّي خطاب مقاطعة أو مواجهة مفتوحة.
ولهذا، فالورقة الباطلة أصبحت لغة احتجاج جديدة في المجتمع العراقي، تختلف عن المقاطعة التقليدية، لكنها تحمل المعنى نفسه وتميط اللثام عن فجوة حادة بين الجمهور وبين الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد السياسي في العراق.
توزيع الأصوات الباطلة… خريطة غضب
قائمة المحافظات تكشف أن الظاهرة ليست محصورة بمنطقة دون أخرى، لكنها برزت خصوصاً في إقليم كردستان بمجموع يفوق 289 ألف ورقة باطلة (السليمانية أولاً ثم أربيل)، ومحافظات ذات تعدد سياسي كبير مثل بغداد ونينوى والبصرة كما هو حال محافظات مركزية كديالى وكركوك. هذا يعني أن أبطال ورقة الاقتراع لا يرتبط بطائفة أو قومية أو منطقة، بل هو مأزق وطني شامل.
حين تجتمع الظاهرتان: نصف شعبٍ مقاطع + سبعمئة ألف محتجّ داخل الصندوق
المعادلة الجيوسياسية الحالية تقول ان نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات تعبير للرفض الاجتماعي للساسة الحاليين ومن معهم اضيفت لها طبقة اجتماعي جديدة من الذين صوّتوا سلبا، أكثر من ٧٠٠ ألف قالوا “لا” بصمت.
وهذا يعني ان العملية السياسية لم تعد تعكس الإرادة الشعبية؛ بل إرادة النصف المشارك فقط، وضمنه شريحة محبطة وناقمة. هذا مستوى خطير من التفكك بين المواطن والدولة!.
الديمقراطية لا تقوم على النخب فقط، ولا على الأحزاب، ولا على التصريحات، وانما تبنى على اساس المواطنة الفعّالة. والعراق، طالما بقي نصف مواطنيه خارج العملية، ونسبة معتبرة من المقترعين تختار إبطال ورقتها، فلن يستقر البلد سياسياً، ولن تتوازن خريطة الحكم.
اللامبالاة الشعبية أو الاحتجاج السلبي، يصنعان فراغاً تملأه القوى الأكثر تنظيماً لا الأكثر تمثيلاً.
ماذا تعني هذه الظاهرة لمستقبل الحكم؟
شرعية هشة، كل مقعد يفوز بأصوات أقل، وكل كتلة ترتكز على قاعدة اجتماعية أضيق. مما يقود إلى تمثيل سياسي غير حقيقي وينتج برلمانا يعكس صوت “النشطين سياسياً” فقط، وليس صوت المجتمع كله. وبالتالي نصبح امام مستوى غضب مكتوم ولكنه متصاعد يعززه الإحباط الذي ان لم يُسمع اليوم، قد يظهر غداً في الشارع. لم يفهم الساسة حتى الان ان الناس ترسل إشارات واضحة مفادها “نريد نظاماً انتخابياً جديداً، طبقة سياسية جديدة، خطاباً جديداً، وخدمات حقيقية.”
في الختام… ٧٠٠ ألف ورقة باطلة ليست أرقاماً
هي رسائل.
هي احتجاج ناعم لكنه عميق.
هي جرس إنذار لنظام سياسي يقترب من فقدان جمهوره الطبيعي.
وإذا لم تُقرأ هذه الرسالة جيداً، فقد نصل إلى مرحلة يصبح فيها المواطن خارج اللعبة، وتبقى الدولة بلا حاضن اجتماعي حقيقي… وهذا هو الخطر الأكبر على استقرار العراق ومستقبله.
انتهى.





