top of page

ازدواجية المناصب في العراق: تسييس النقابات وتضارب المصالح الوظيفية

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 22 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة
كتاب واحد يحمل عنوانين وظيفين!!
كتاب واحد يحمل عنوانين وظيفين!!

بارومتر العراق/ كتب احمد شبل الزيدي الخبير القانوني -

من الغريب والمؤسف أن يستمر في العراق مشهد تداخل الصلاحيات وتعدد المناصب بصورة تنتهك الدستور العراقي النافذ وقوانين النقابات والاتحادات المهنية، بل وتخالف حتى الأنظمة والتعليمات الخاصة بتنظيم عمل المستشارين والخبراء في مكتب رئيس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء.

أولاً: مخالفة دستورية وقانونية واضحة

إن ازدواجية المناصب – كأن يجمع شخص واحد بين رئاسة نقابة أو اتحاد مهني وبين وظيفة حكومية أو منصب سياسي – تعد مخالفة صريحة لأكثر من نص قانوني ودستوري.

المادة 22 من الدستور العراقي (2005)

"العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة. ويضمن القانون تنظيم العلاقة بين (العمال وأرباب العمل) على أسس اقتصادية، مع الحفاظ على حقوق العمال.”. ويُفهم من هذه المادة ضرورة حماية استقلالية العاملين وممثليهم المهنيين في النقابات، وعدم خضوعهم لسلطة الحكومة التي يُفترض أنهم يدافعون عن حقوق الصحفيين ضدها.

المادة 45 من الدستور

“تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، ودعمها وتطويرها…” وهنا يعد تولي منصب حكومي من قبل رؤساء تلك المؤسسات عمل يُقوّض هذا الاستقلال، ويحوّلها من أدوات حماية ورقابة إلى أذرع تنفيذية للحكومة.

قانون النقابات والاتحادات رقم (52) لسنة 1987 المعدل

“لا يجوز الجمع بين عضوية الهيئة الإدارية للنقابة أو الاتحاد، وبين تولي وظيفة تنفيذية في الدولة أو في حزب سياسي”. وهنا كل من نقيب الصحفيين العراقيين ورئيس اتحاد الأدباء يشغلون وظيفتين في آن واحد على خلاف هذه المادة.

قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960

“لا يجوز للموظف الحكومي الجمع بين وظيفته وأي عمل آخر بأجر إلا بإذن من الوزير المختص”.

وهذا خرق قانوني مضاعف حيث أن تقاضي رواتب من جهتين في آن واحد احدهما راتب حكومي يعد مخالفة قانونية صريحة.

حالات نموذجية على ازدواجية المنصب في الواقع العراقي

رئيس اتحاد الأدباء العراقيين يشغل في الوقت ذاته منصب مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية.

نقيب الصحفيين العراقيين يتقاضى راتبًا من النقابة وراتبًا آخر من هيئة الإعلام والاتصالات، التي يُفترض به أن يكون خصما طبيعيا لها بحكم مهام النقابة ازاء مهمام الهيئة، سيما إن انتهكت حقوق الصحفيين.

بعض رؤساء الاتحادات المهنية – لا سيما في القطاع الطبي والنقابي – يشغلون مناصب تنفيذية أو تشريعية، ما يقوّض دورهم الرقابي تمامًا.

الآثار السلبية لازدواجية المناصب والرواتب

تسييس النقابات وتحويلها إلى أذرع للأحزاب الحاكمة، حيث تصبح النقابات والاتحادات خاضعة للتوجهات السياسية بدلًا من تمثيل مصالح أعضائها. انهيار مبدأ المحاسبة والنقد، اذ كيف يمكن لرئيس اتحاد الأدباء أو نقيب الصحفيين أن ينتقد رئيس الحكومة أو مؤسسة إعلامية حكومية وهو موظف فيها أو يتقاضى راتبًا منها؟

إضعاف الشفافية والمساءلة داخل النقابات، بقاء بعض رؤساء النقابات لعقود طويلة يعود إلى نفوذهم السياسي والدعم الحكومي، وهو ما يُعيق تداول المسؤولية بسلاسة وبشكل قانوني.

إهدار المال العام وازدواج الرواتب، في مخالفة لقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، الذي يمنع الجمع بين راتبين تقاعديين أو أكثر دون وجه حق. كما أن في هذه الممارسات تهديد لمبدأ الفصل بين السلطات حين يجمع شخص بين العمل النقابي والوظيفة التنفيذية، يتقاطع في ذاته دور السلطة التنفيذية والرقابية.

نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تشريع قانون جديد للنقابات يشدد على منع الجمع بين المناصب. إنفاذ قوانين الخدمة المدنية والتقاعد بصرامة لمنع تعدد الرواتب والمناصب. وإنشاء لجنة برلمانية أو رقابية خاصة لمراجعة حالات تضارب المصالح. كذلك إطلاق حملة مجتمعية وإعلامية للمطالبة باستقلال النقابات عن السلطة التنفيذية.

إن استمرار ظاهرة ازدواجية المناصب وتضارب المصالح في العراق منذ عام 2006 وحتى اليوم، يمثل امتدادًا لنمط إداري سلطوي مارسه النظام السابق، حين كان أولاد صدام حسين ووزراؤه يحتكرون المناصب السياسية والنقابية والاقتصادية معًا. واليوم، فإن الخطر يتجدد حين تُفرّغ النقابات والاتحادات من مضامينها الرقابية وتُحوَّل إلى واجهات حزبية تتقاضى رواتب من جهتين، وتخدم السلطة بدلًا من محاسبتها.

ولذلك، فإن تصحيح هذا المسار يتطلب إرادة سياسية وتشريعية حازمة، ونهوضًا مجتمعيًا يعيد الاعتبار للنقابات كصوت حرّ للمجتمع، لا كوظيفة حكومية إضافية.

انتهى

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page