استعراض الصين العسكري: والإدارة الذكية للتغطية الإعلامية
- KDTS
- 5 سبتمبر
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كتب ضياء ثابت-
لم يكن مفاجئًا أن تكشف الصين، خلال استعراضها العسكري الأخير بحضور قادة دول تُصنّف على أنها معادية للولايات المتحدة، عن تقنيات عسكرية متطورة تعمل بالذكاء الاصطناعي. لكن المفاجأة الكبرى لم تكن في الطائرات المسيّرة أو الأنظمة الدفاعية الذكية بقدر ما كانت في إدارة التغطية الإعلامية نفسها؛ إذ اختارت بكين أن تجعل الذكاء الاصطناعي هو المحرك الأساس للتغطية الإعلامية، والمُنتِج للنصوص الإعلامية، والمترجم الفوري إلى أكثر من 17 لغة عالمية، من بينها العربية، إضافة إلى قيادة الحملات الترويجية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
في مشهد غير مسبوق، توزّعت الكاميرات الطائرة الذكية والأخرى المثبتة على طول اسفل الطريق وعلى جوانبه، لتؤدي وظائف التسجيل والبث المباشر دون تدخل بشري يُذكر، فيما كانت الخوارزميات تنسج النصوص الإعلامية في قوالب مرنة، تُكيّف المحتوى حسب اللغة والجمهور المستهدف، وتضخّه على منصات التواصل العالمي في آن واحد.
تراجع الإعلام التقليدي
أما وسائل الإعلام التقليدية – التلفزيونات والصحف – فقد حُشروا في منصة جانبية على خط الاستعراض، دون أن يكون لهم الدور المحوري الذي اعتادوا عليه لعقود. بدا الأمر وكأنه إعلان واضح بأن زمن السيطرة الإعلامية عبر العدسات البشرية والتحرير التقليدي قد ولّى، وحلّت محله إدارة ذكية تركيبية توليدية، تتفوق بالسرعة والدقة والقدرة على التخصيص الفوري للرسائل الإعلامية.
هذا التحول يعكس نقلة استراتيجية في كيفية تعامل الدول الكبرى مع الإعلام، من كونه وسيلة للتوثيق والنقل إلى أداة سيادية متقدمة لإدارة الصورة الذهنية عالميًا، باستعمال الذكاء الاصطناعي كقوة ناعمة موازية للقوة الصلبة.

المقارنة مع العراق
وعند مقارنة هذا المشهد بما يجري في العراق، تبدو الفجوة شاسعة. فالعراق ينفق سنويًا أكثر من 100 مليون دولار على منظومة الإعلام الحكومي وإدارته، التي تشمل المكاتب الإعلامية لمؤسسات الدولة والوزارات وهيئاتها الرسمية. لكن النتيجة – من حيث الحضور الدولي، والتأثير على الرأي العام، وحتى إقناع الجمهور المحلي – لا ترقى إلى مستوى مقبول.
الخلل هنا لا يتعلق فقط بحجم الإنفاق، بل بطبيعة الإدارة التي ما زالت تعتمد على أنماط تقليدية في إنتاج الرسائل الإعلامية. المؤتمرات الصحفية الروتينية، التغطيات الرسمية الباردة، والبيانات المكتوبة بلغة جافة لا تنسجم مع طبيعة الإعلام الحديث، فضلًا عن غياب استراتيجيات واضحة للتعامل مع فضاء التواصل الاجتماعي الذي أصبح المصدر الأول للمعلومة لدى الجمهور.
ما فعلته الصين في استعراضها العسكري لم يكن مجرد استعراض للقوة العسكرية، بل استعراض لقوة إعلامية جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي. إنها رسالة واضحة للعالم بأن إدارة الإعلام لم تعد رهينة قدرات المتأنقين ببدل رسمية وحملة الألقاب ( د. او مستشار)، بل هي اليوم صناعة تكنولوجية ذكية تُدار بالخوارزميات القادرة على مخاطبة مليارات البشر في لحظة واحدة. هل تعرف كيف تتعامل مع أنماط الخوارزميات المعالجة للمعلومات؟ هل تعرف كيف تتعامل مع الهندسة المجتمعية العكسية؟ إذا انت موهل لادارة المعلومات والاتصالات وليس الإعلام الذي عفى عليه الزمن كمصطلح وإجراءات .
العراق – وغيره من الدول النامية – لاتزال تفكر بالانتقال من الإنفاق الكبير بلا جدوى إلى الاستثمار الذكي في أدوات الإعلام التوليدي والذكاء الاصطناعي، ليكون حاضرًا في المشهد العالمي بدل أن يبقى متأخرًا في الصفوف الخلفية.
انتهى.