top of page

التحوّل الرقمي في صناعة محتوى عاشوراء وأربعينية الامام الحسين ع

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 21 أغسطس
  • 7 دقيقة قراءة
ree

بارومتر العراق: كتب ضياء ثابت خبير اليونسكو والمحكم الدولي للافلام الوثائقية-

شهدت السنوات الأربع الماضية (2021–2025) تغيرات جذرية في مساقات صناعة المحتوى الرقمي المرتبط باحياء شعائر الثورة الحسينية من حيث تكنلوجيا تصميم الغرافك والانفوغرافك، تقنيات تنسيق المحتوى، التسويق الرقمي، التصوير الإبداعي بتقنيات مدمجة بالذكاء الاصطناعي، الفنون التعبيرية. والظاهرة الابرز تجلت في محتوى (الرواديد، المنابر الحسينية، والتمثيل الشعبي - التشابيه).

وقد طالت الانتقالة التنموية تلك حتى السلوكيات الدخيلة التي رافقت هذا التطور، والتي استندت إلى أدلة من محتوى التواصل الاجتماعي. ومابين النمطين تناولنا تحليلات المنصات الرقمية، ودراسات التحوّل الرقمي في صناعة المحتوى الخاص باحياء شعائر الثورة  الحسينية (2021–2025)

من الملاحظ ان هذه الطفرة الإبداعية في صناعة المحتوى المرتبط بإحياء ثورة الإمام الحسين (ع)، من شهر محرم الحرام إلى زيارة الأربعين، لم تعد حكرًا على المجالس التقليدية والشعائر الحضورية، بل تحوّلت الممارسة إلى النمط الرقمي الشامل، عبر توظيف تقنيات متقدمة في التصميم، البث، الإنتاج الفني، والتسويق الرقمي، والهندسة الاجتماعية المرتبطة بالخوارزميات.

لقد اعتمدت في تشخيص عناصر هذا التطور على مزيج من التحليل الكيفي، تحليل المضمون (Content Analysis)، وتحليل البيانات من منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، يوتيوب، تيليجرام).

ان الفرضية الأساسية لهذا البحث تقوم على مقارنة المحتوى المرتبط باحياء شعائر ثورة الامام الحسين ع، بين الفترة التي تسبق 2021 وما بعدها. والمقارنة بين الأنماط التصميمية الرقمية، اذ من الواضح جدا التطور في صناعة المحتوى الحسيني والتحول الجوهري في الشكل، المضمون، والأداء، مدفوعًا بالتقنيات الرقمية والابتكار الجماعي، والذي ايضا رافقه انتشار سلوكيات دخيلة تُهدد الطابع الروحي للشعائر، رغم رفضها من قبل المرجعيات الدينية والثقافية."


مقدمة مفاهيمية

تُعدّ ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء من أبرز المحطات الدينية والرمزية في التاريخ الإسلامي، خصوصًا لدى الشيعة. ولطالما كانت الشعائر الحسينية تعتمد على التجسيد الحضوري للأحداث عبر مجالس العزاء، التشابيه (التمثيل)، الصور الجدارية، والمنابر الدينية. نحن هنا نستعرض خلاصة هذا البحث لنسلط الضوء على الانتقالة التي حصلت منذ عام 2021، وتنامت بقوة في هذا العام.

مع انتشار الإنترنت، الذكاء الاصطناعي، وسائل البث المباشر، وتطبيقات التصميم الجرافيكي، واتساع مجتمع التواصل الاجتماعي ، شهدت هذه الشعائر تحولًا جذريًا. فقد أصبحت الحسينيات التي تستضيف مجالس العزاء تُصمّم بـ"أنماط رقمية" مستوحاة من السينما والهندسة الصوتية، والرواديد يُنتجون "محتوى نغمي رقمي حزين" ينشر على "يوتيوب" و"منصات اخرى "، والتشابيه تُصوّر بجودة سينمائية بموازنة متواضعة، والمنابر تُبثّ عبر "زوم" و"تيك توك" وغيره من قنوات البث الرقمي. هذا التحول، وإن كان يعكس نضجًا تقنيًا وابتكارًا شعبيًا، إلا أنه ايضا أفرز سلوكيات جديدة، أوصلت تقاليد احياء ذكرى ثورة الامام الحسين ع بأنماط رقمية إبداعية إلى فئات كثيرة من جمهور المعجبين وإن كانوا من غير الشيعة وحتى من غير المسلمين.

لكن بعض التقاليد والسلوكيات التي شاعت كادخال موسيقى الراب وما نحوه على الشعائر من قبل البعض مُرفوضة دينيًا وأخلاقيًا.


ree

الإطار النظري

سنعتمد في عملية التحليل على ثلاث نظريات تدمج بين علوم إنسانية كعلم الاجتماع وبين علوم صرفة كالهندسة المجتمعية، الخوارزميات، والاتصال والمعلومات.


اولا:- نظرية التحوّل الرقمي في الثقافة الدينية (Digital Transformation in Religious Culture)

لقد أسهمت التقنيات الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي بإعادة تشكيل الممارسات الدينية، من "الحضور الجسدي" إلى "الوجود الرقمي".

ومنذ العام 2006 قال هوفر صاحب هذه النظرية: "إن الأديان إذا لم تركب موجة الرقمنة وتتعاطا معاها بشكل احترافي فإنها قد تموت إلى الأبد" (Hoover, 2006). وفي الواقع فان كل عمليات تحليل " حضور الدين في الفضاء المعلوماتي الرقمي"، تؤكد أن المحتوى الديني لم يعد حكرًا على أنماط الإنتاج التقليدي للمؤسسات الدينية، بل بات يُنتج جماعيًا عبر الشبكات الرقمية للتواصل الاجتماعي وخصوصا المراسيم الدينية وما يتعلق بها من محتوى.

وهذا الواقع يختلف في العراق والعالم الإسلامي إلى حد لا باس به عما افترضه هوفر، فنحن مع حضور التقنيات الرقمية، نلتزم بالإشراف العام للمرجعيات والتزام تعاليم اهل البيت ع، وهذا أدى إلى وصولنا لمستوى آخر في صناعة المحتوى الإعلامي الرقمي لشعائر عاشوراء والأربعينية، مستوى ملتزم حتى الان وان شاب بعضه حالات شذت عن القاعدة إلا انها لاتزال قابلة للسيطرة والتعديل.


ثانيا:- نظرية الانتشار الاجتماعي (Social Contagion Theory)

(Christakis & Fowler, 2007)

تفسر نظرية (نيكولاس كريستاكيس وجيمس فاولر) للانتشار الاجتماعي عبر التقنيات، كيفية انتشار الخطاب الديني عبر المحتوى الرقمي، وتخطيه اطر الانتشار عبر الإعلام التقليدي بمئات الأضعاف "خوارزميا" عبر الشبكات. ونجد هذا الأمر يحصل رقميا في العراق وبعض البلدان الشيعية او التي فيها مكونات شيعية في مواسم العزاء، عبر ميكانيكيات الهندسة الاجتماعية (Social Engineering).


ثالثا:- نظرية التمثيل (Representation Theory)

يعتقد العالم ستيوارت هول أن الإعلام (التلفزيون، السينما، الصور، النصوص، المحتوى الرقمي) لا يعكس الواقع كما هو، بل يقوم بعملية تمثيل (Representation). أي أن المعنى لا يوجد جاهزًا، بل يُصاغ ويُعاد إنتاجه من خلال (الصور الرموز اللغة). هذا التمثيل يتأثر بالثقافة، السلطة، والسياق الاجتماعي. وهنا لابد ان نقف على (التشابيه الحسينية) وكيف اصبح المحتوى الرقمي وتقنياته المتطورة والذكاء الاصطناعي لاعبا اساسياً في قلب عملية  التمثيل الشعبي والمحاكاة. ف"التمثيل او التشابيه" لواقعة كربلاء، تم نقلها وفق سياقات بصرية وجمالية رقمية جديدة حتى انها باتت اكثر انتشارا. وحتى المحتوى القديم المصور في المنتصف القرن السابق تم اعادة اصلاحه وترميمه رقميا ودمجه مع المحتوى الحديث.


منهجية البحث

لقد اعتمدنا في هذا البحث منهج تحليلي – وصفي، مع استخدام تحليل المضمون (Content Analysis) وتحليل الشبكات الاجتماعية (SNA).

عينة البحث:

500 صفحة احترافية لرواديد وحسينيات ومسارح عامة، والمحتوى المصنوع على فيسبوك وإنستغرام (من 1/9/2021 إلى 16/8/2025), مع دراية اكثر من 40 هاشتاغ أبرزها: #أربعين_الحسين، #محرم_الحر، #الحسين_يحيا.

  - 100 فيديو من يوتيوب وتيليجرام (من رواديد، تشابيه، منابر).

  -دراسة حالات 20 من الرواديد المشهورين الذين اصبحوا تريندات عامة، مع دراسة نماذج تصاميم لمحتوى رقمي متنوع للمراسيم الحسينية.

  - تحليل 5 حالات دراسة لحملات رقمية ناجحة (مثل: "أربعينك ببصمة" – العراق، "مريم" – لبنان).

- أدوات التحليل:

  - برنامج NVivo لتحليل النصوص.

  NodeXL لتحليل انتشار الشبكات.

  غوغل تريند Google Trends

وSocialbakers لتحليل الانتشار الزمني.


نتائج البحث وتحليلها

١- تحول التصميم الجرافيكي والهوية البصرية للمحتوى الخاص باحياء عاشوراء والأربعينية.

٢- التحول من "الرسم اليدوي" إلى "الجرافيك الرقمي":

في 2021 كانت 68% من البوسترات تُستخدم خطوطًا تقليدية وصورًا منقولة وأقمشة يرسم عليها يدويا. في 2025، أصبح 89% من البوسترات تُصمّم ببرامج مثل Canva، Adobe Illustrator، وFigma باستخدام أنماط "سينمائية" (Dark Mode، تدرجات الألوان، تأثيرات 3D).

مثال: تصميم "أربعين 1445هـ" في كربلاء استخدم أنماط إضاءة كربلاء الليلية مستوحاة من أفلام مثل "Gladiator".

٣- ظهور "الهوية البصرية الموحّدة":

مبادرات مثل "حملة أربعينك ببصمة" (2023) استخدمت شعارًا رقميًا موحّدًا، مُوزّع عبر "نظام تصميم (Design System)"، "ما تركتك يا حسين" و "سلمٌ لمَن سالمَك / حربٌ لمَن حارَبَك" 2025، وغيرها من الحملات الرقمية البارزة مما ساهم في توحيد المحتوى عبر 12 دولة إسلامية في المحيط العربي، و6 دول اوربية فيها جالية عربية شيعية.


التحول في إنتاج المحتوى الصوتي (الرواديد والشعراء)

- الرواديد الرقميون:

ظهور "رواديد انتشرو بشكل غير مسبوق" مثل "حيدر السعد"، "علي الموسوي"، "مرتضى حرب"، "حيدر الفريجي" و " جبار الحريشاوي"، الذين انتجوا "محتوى رقمي نغمي حزين" بجودة استوديو عالية لهواة، وباستخدام برامج مثل FL Studio، وPro Tools.

 على سبيل المثال ( مرتضى حرب- يالماشي لبعيد) حققت 41 مليون مشاهدة في قناته ناهيك عن قنوات اخرى حققت انتشار غير مرخص لهذه القصيدة.

ree

حيدر السعد (الحك خوية ياعباس) حققت اكثر من 11 مليون مشاهدة، وكذلك حيدر الحريشاوي ( راكاهم روك) حقق 14مليون مشاهدة. على جانب البث العشوائي (لحلقات التمثيل الشعبي في الساحات- التشابيه) فقد حقق بعضها اكثر من 15 مليون مشاهدة كتشابيه ذيقار المركزية وتشابيه النجف.


الهندسة الصوتية عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي

استخدام تقنيات الـReverb، والـLayering الصوتي لإعطاء شعور "ملائكي" كما يصطلح عليه فنيا في الموسيقى الغربية. الدمج الصوتي وصل إلى مرحلة التحكم بالتونات آنيا اثناء القاء القصيدة الحسينية في مجلس العزاء مع استخدام حيل فنية صوتية عالية الترنيم.


التحول في التشابيه (التمثيل الشعبي)

من المسرح الشعبي إلى "السينما الشعبية" تشابيه مثل "كربلاء 2024" في النجف، استخدمت كاميرات الدرونز، مؤثرات بصرية (VFX)، وإضاءة سينمائية وتوليف رقمي بالذكاء الاصطناعي، وبُثّت مباشرة على "يوتيوب" و"فيسبوك لايف". كانت الميزانية أقل من 15 ألف دولار، مقارنة بـ 500 ألف دولار في الإنتاجات الرسمية في أماكن اخرى ومواضيع اخرى عالمية ولا تحقق انتشارا كما تحقق مع هذا المحتوى.

ان الفيديو الذي يوثق تشابيه الناصرية "لحظة استشهاد الحسين" (2021) نُشر على تيك توك، وحقق 7.8 مليون مشاهدة في 48 ساعة، رغم انتقاد المرجعية لتصوير الإمام (ع) في حينها.

ree

التحول في المنابر الحسينية

تحقق لأول مرة ظهور "منابر افتراضية" عبر "زوم"، "تيليجرام"، و"تيك توك".

فهنالك على سبيل المثال منبر على تيليجرام، يُتابعه 350 ألف مشترك.

الإنتاج الرقمي للخطب باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد نصوص خطب، أو ترجمتها فورًا إلى 12 لغة (مثال: منبر "الحسين يجمعنا" – 2023).

أصبحت مقتطفات من خطب الشيخ الوائلي مواد صوتية تدمج مع صور ومقاطع ومشاهد وتحصد ملايين المتابعات والتفاعل عبر منصات التواصل الرقمي. وكل ما يخص محتوى منبر الوائلي وخطبه حول ثورة الامام الحسين ع، تتجاوز حاليا 300 مليون مقطع مصوتي مولف بطرق مختلفة ومنشور عبر مختلف المنصات الرقمية.


تحليل الانتشار الرقمي (Social Network Analysis)

- تم تحليل شبكة هاشتاق #أربعين_الحسين على تويتر (2023) كمثال للعرض ياتي ضمن اكثر من هتشتغات اخرى في البحث، والظاهر من التحليل:

  - المركزية (Centrality):3 حسابات (رواديد رقميون) سيطروا على 60% من الانتشار الرقمي ( مرتضى حرب- حيدر الحريشاوي - حيدر السعد)).

  - الانتشار العشوائي (Virality): وصل إلى 44 مليون تغريدة في 10 أيام 6-16 اب 2025.

  - الهندسة الاجتماعية:72% من المنشورات استخدمت "إيموجيات دمعة"، أو "أدعية رقمية" لجذب التفاعل.


حالات دراسة

"أربعينك ببصمة" – العراق (2023)

- حملة رقمية لتحفيز الزائرين على نشر صورهم.

- استخدمت نظام تصميم موحّد، وخرائط تفاعلية، وذكاء اصطناعي للترجمة.

- زاد عدد المشاركين الرقميين بنسبة 210% مقارنة بـ 2022.

تركز هذه الظاهرة الرقمية مفهوم (الابتكار الجماعي)، اذ لم يكن التحوّل نابعا من الأعلى (المرجعيات)، بل من القاعدة (Grassroots)عبر مبادرات شبابية وتطوعية.

وان طغى التوتر على الظاهرة بسبب الصراع الطبيعي بين السياقات التقليدية والحداثة، إلا أن المرجعيات الدينية متفهمة في هذا السياق وتُقرّ بالتطور، لكن ترفض "التجاوزات"، مما يخلق صراعًا في الهوية.

هنالك ايضا خطر التوظيف التجاري، والاستغلال الاقتصادي، والتخوف من توغل هذا الخطر إلى الشعائر بشكل مبالغ فيه مما قد يفقدها "قدسيتها" وتصبح "عرضًا رقميًا".

ree

الاستنتاجات


1. لقد شهدت صناعة المحتوى الحسيني ثورة رقمية حقيقية في الشكل، الأداء، والانتشار.

2. هذا التحوّل لم يكن مركزيًا، بل نتاج إبداع شعبي رقمي بأدوات بسيطة.

3. رغم الإيجابيات، هناك سلوكيات دخيلة تهدد الطابع الروحي، وتتطلب تدخلًا توجيهيًا.

4. المرجعيات الدينية بحاجة إلى استراتيجية رقمية موحدة لا لمنع التطور، بل لترشيده.


التوصيات

1. إنشاء "هيئة رقمية للإشراف على المحتوى الحسيني"تابعة للعتبات المقدسة وفيها من يملك خبرة توظيف الرصد عبر الخوارزميات.

2.  "وضع معايير إنتاجية رقمية" للتشابيه والرواديد وحفظ الحقوق والامتيازات الرقمية.

3. تدريب الشباب على "صناعة محتوى ديني أخلاقي رقمي" عبر ورش عمل.

4. توظيف الذكاء الاصطناعي*في ترجمة وتحليل الخطاب الحسيني، وليس في إنتاجه.


ملاحظة اخيرة : "الابتكار في خدمة الحسين (ع) مشروع مقدّس، لكنه لا يُبرر تجاوز الحدود الشرعية والأخلاقية."

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page