بغداد تختنق باستثمار عمراني مشوه!
- KDTS
- 30 يوليو
- 2 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ كرار السراي-
تحت عنوان "معالجة ازمة السكن في العراق"، برزت ظاهرة “السطو المقنن على حدائق ومساحات بغداد الخالية" بعناوين الاستثمار السكني العمودي، كخيار وصفوه "ستراتيجي" قائم على تحويل المساحات الفارغة، وساحات الخدمات، وأراضي التشجير في بغداد إلى مشاريع إسكانية تمنح لشركات استثمارية، دون دراسة أثرها العمراني والبيئي والاجتماعي.
فهل ان هذه المجمعات الحديثة التي خنقت المحلات والأزقة بارتفاعات شاهقة، تمثل بارقة أمل لسكان العاصمة؟ أم أنها قنابل موقوتة ستدمر ما تبقى من أنفاس بغداد المرهقة؟
التحول من “فراغ خدمي” إلى “استثمار مضغوط”
بين أزقة الكرادة، والنهضة، والزعفرانية، وامتدادات السيدية، واليرموك والمنصور وعبر حدائق الكاظمية والجادرية وغيرها من مناطق العاصمة، بدأت ملامح التحول تظهر. مساحات خضراء كانت مخصصة لتكون متنفسًا للعائلات، أو أراضٍ حكومية كانت مهيأة لتكون مدارس أو مراكز صحية، تحوّلت فجأة إلى أبراج إسمنتية شاهقة، وسط أحياء مكتظة سكنيًا وخدميًا.
لم يكن هناك أي منظور تخطيطي متكامل، ما حصل هو بيع للمساحات بأي ثمن، وكأن الحكومة وجدت في الاستثمار بوابة لتفريغ مسؤولياتها، لا لحل أزمة الإسكان.
او لعلها محفظة مالية تدر ارباحا على النخب السياسية وقادة الاحزاب ومن يقفون في الظل. فأسعار المتر في تلك العمارات الجديدة تتراوح بين الف - عشرة الاف دولار، وهي اسعار خيالية تدحض مقولة حل ازمة السكن!.
ضغط على بنية متهالكة!
لم تكن شبكة الطرق والمجاري والماء والكهرباء في بغداد مصممة لاستيعاب هذه الخلايا العمودية. الطرق الفرعية التي بالكاد تستوعب سيارات الحي، ستكون غدا ممرًا لضعف السيارات الموجودة حاليا. خطوط الماء المتهالكة، التي تعاني أصلاً من انقطاعات مزمنة، ستُحمّل فوق طاقتها. أما الكهرباء، فقصتها معروفة، ومحطاتها تكاد تنهار تحت ضغط الطلب الحالي، فكيف سيكون حالها عند تشغيل مئات المصاعد، والمكيفات، والإضاءة في هذه الأبراج؟
استثمار بلا دراسة جدوى خدمية
من خلال مراجعة عقود بعض المشاريع –التي حصلنا عليها من مصدر حكومية وحزبية – تبيّن أن أكثر من 70% من المجمعات العمودية الجديدة لم تمر عبر دراسات الأثر الخدمي البيئي، ولم تراعي معايير قانون الاستثمار من جانب حماية البيئة وتتبع خطى اجندة التنمية المستدامة التي اقرها العراق ٢٠٢٠-٢٠٣٠. اكتفت تقارير الجهات المعنية تحت وطأت قرارات مجلس الوزراء باستثناء الكثير من تلك الشركات من الاجراءات المتبعة، بتقديم تقارير صورية سريعة، غالبًا تُعد من قبل جهات تابعة أو غير مستقلة. والأدهى، أن هذه المشاريع لا تلزم الشركات المنفذة بتوسعة الخدمات العامة، بل تضع العبء بالكامل على البنى التحتية القديمة.
في حال إكمال هذه المشاريع –والكثير منها الآن في طور البناء– ستواجه بغداد كارثة مزدوجة، تتمثل في خنق طرق العاصمة الرئيسة والفرعية، بسبب ضخ أعداد هائلة من السكان إلى مناطق غير قادرة على الاستيعاب. وسيحصل انهيار خدمي محتمل، مع عدم قدرة الماء والكهرباء والمجاري على تلبية الطلب.
استثمار لمن؟
في كل هذه الفوضى، يبرز سؤال منطقي (من المستفيد؟). هل هي الشركات التي حصلت على الأراضي بأسعار رمزية؟ الشخصيات النافذة داخل مؤسسات الدولة التي تسهل الحصول على التراخيص؟. ام انها جهات سياسية تجد في هذه المشاريع وسيلة لتمويل أحزابها وتعزيز نفوذها المالي؟.
بغداد اليوم تشهد تشويهًا عمرانيًا غير مسبوق، تلبّس فيه الاستثمار بلبوس “الحل الحضري”، بينما هو في الحقيقة يفاقم علتها التصميمية. المشاريع العمودية قد تكون فعالة في مدن مخططة، ببنية قوية، ونظام مروري متكامل. لكن أن تُزرع في قلب أحياء مكتظة مهملة، دون تخطيط مسبق، فهذا ليس استثمارًا في المستقبل… بل قبر إسمنتي لمدينة تحتضر.
انتهى!