تحولات التحالفات الشيعية: ما بعد الحرب وأفق إعادة التموضع السياسي
- KDTS
- 27 يونيو
- 3 دقيقة قراءة

بارومتر العراق/ ابو ضي
حين تختبر النارُ صدقَ الولاء
لم تكن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل مجرد مواجهة عسكرية عابرة في جغرافيا مشتعلة أصلًا، بل شكلت اختبارًا وجوديًا لمحور المقاومة، ومرآةً عاكسة للتحالفات السياسية في الإقليم، خصوصًا في العراق. إذ كشفت تلك المواجهة المفصلية عن طبقات جديدة من الخطاب السياسي العراقي المتصل بإيران، وأظهرت حجم التناقضات بين المواقف المعلنة في اوقات الرخاء واوقات الشدة.
وجوه متعددة… بل أقنعة متساقطة
قبل اندلاع الشرارة الكبرى في المواجهة بين طهران وتل أبيب، كان مشهد الساحة السياسية العراقية يوحي باستقرار نسبي في بنية التحالفات الشيعية – الإيرانية، حيث تصدرت شخصيات شيعية بارزة المشهد وهي تعلن التزامها بمحور “الممانعة” وتفاخر بقربها من القيادة الإيرانية. لكن، ما إن انطلقت أولى الصواريخ في المعركة الإقليمية حتى بدأت ملامح الذعر السياسي تتسرب إلى مواقف تلك القيادات، فبعضها اختار الصمت، وآخرون آثروا الاختفاء الإعلامي، بينما غيّر آخرون خطابهم علنًا نحو الحياد أو الوطنية العابرة للحدود.
الجديد في هذه اللحظة التاريخية ليس فقط تبدل المواقف، بل سرعة التحول السياسي والانتهازية العالية التي بدت كاشفة لمدى هشاشة “التحالف” عند أول اختبار وجودي. وهو ما لاحظته الدوائر الإيرانية بحدة، وسجلته بدقة.
الخوف من العدوى: العراق على حافة الاشتعال
ما غذّى هذا الانقلاب المفاجئ في خطاب بعض القوى الشيعية والسنية والكردية التي كانت تقف على صف واحد مع ايران، واختفاء اغلبهم، هو التوقع السائد حينها بأن سقوط النظام الإيراني بات وشيكًا، وأن القوى الحليفة لطهران في العراق ستكون الهدف التالي للضربات الإقليمية أو حتى الانتفاضات الداخلية. هذا التصور دفع العديد من القوى السياسية إلى اتخاذ وضعية “التخفي السياسي” بانتظار اتضاح مآلات الحرب.
ما بعد الحرب: من بقي في خندق الولاء؟
حين وضعت الحرب القصيرة أوزارها، وخرجت إيران - برأي مراقبين - بنجاح نسبي كبير من عاصفة المواجهة، كانت طهران قد شخصت بوضوح “المخلصين” من “الانتهازيين”، ورسمت في كواليسها خريطة جديدة لأدواتها وشركائها في العراق. ووفق مصادر إيرانية، بدأ الحديث عن إعادة تقييم كامل لأداء بعض القوى العراقية خلال الأزمة، مع توجه نحو تقوية المحور العقائدي الموثوق وتقليص الاعتماد على الحلفاء المتلونين.
هذا التوجه سيلقي بظلاله على التمويل والدعم والتنسيق السياسي في المرحلة المقبلة، ما يعني أن بعض القوى السياسية العراقية قد تجد نفسها قريبًا خارج الدائرة، أو على الأقل في منطقة رمادية من الشك.
الانتخابات… بوصلة الولاء الجديد
مع اقتراب الانتخابات العراقية، تسعى جميع الأطراف لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية. لكن الشيعة المقرّبين من إيران باتوا أكثر وعيًا بثنائية الولاء والمصلحة، ويدركون أن الشعور بالخطر الوجودي الذي عاشته طهران، ترك أثرًا عميقًا في النفوس، ودفع الكثيرين إلى التفكير مجددًا بأهمية التحصين المذهبي والتحالفات العقائدية.
في المقابل، هناك من يرى في الانتخابات فرصة للانفكاك واستثمار التحولات الإقليمية نحو خطاب سيادي عراقي يُعيد رسم التوازنات بعيدًا عن المحاور الإقليمية.
هل ستبقى خارطة التحالفات الشيعية الإيرانية كما هي داخل العراق؟
الإجابة ليست واحدة، بل متعددة وفق ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
سيناريو الاستمرارية المشروطة:
تبقى التحالفات الكبرى قائمة، لكن مع إعادة فرز داخلي وتغيير الوجوه. ستواصل طهران دعم قوى مختارة بعناية أثبتت ولاءها في المحنة الأخيرة، بينما تُقصى أو تُهمّش القوى المتلونة.
سيناريو الانقسام:
تشهد القوى الشيعية انقسامًا بين تيار مقاوم متشدد يزداد التصاقًا بطهران، وآخر براغماتي يتجه نحو التموضع السيادي أو التحالف مع القوى السنية والكردية في إطار عراقي داخلي.
سيناريو التجديد العقائدي:
يُعاد تعريف الولاء لا على أساس العلاقة الجغرافية مع إيران، بل بالانتماء العقائدي والثقافي، ما قد ينتج وجوهًا جديدة تتبنى خطابًا مقاومًا مختلفًا وأكثر استقلالية، دون قطيعة تامة مع طهران.
ما بين الأزمة والفرصة
ليست الحرب وحدها ما غيّر التحالفات، بل هو إدراك الطبقة السياسية الشيعية بأن البقاء لم يعد ممكنًا على قاعدة الولاء وحده، بل على قاعدة القدرة على الصمود في زمن الاختبارات الكبرى. وبين الذين صمدوا في الخنادق، والذين غيروا ولاءهم في لحظة مفصلية، تتشكل الآن خارطة جديدة للمستقبل العراقي.
وما بعد الحرب… ليس كما قبلها.
انتهى.