top of page

ما بعد حرب الشرق الأوسط: قراءة في خرائط القوة والتحول الجيوسياسي

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 24 يونيو
  • 3 دقيقة قراءة
صورة تعبيرية ولدها الذكاء الاصطناعي
صورة تعبيرية ولدها الذكاء الاصطناعي

بارومتر العراق / بقلم ضياء ثابت


ها قد أًًًُسدِلَ الستار – مؤقتًا – على واحدة من أكثر جولات الاشتباك دمويةً وتعقيدًا بين إيران وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، حربٌ لم تكن تقليديةً في منطلقاتها ولا في نتائجها، بل كانت انعكاسًا صريحًا لانفجار مكبوت في صميم معادلات الشرق الأوسط، وانكشافًا علنيًا لوهم الاستقرار المسنود بالقوة، وتصدّعًا ملموسًا في ركائز النظام الإقليمي القديم. ترجمت هذه الجولة الملتهبة تراكم الكراهية بين طرفين يمثل كل منهما محورا له حلفاء ومناصرين وإن كانت الكفة غير راجحة لطرف دون الاخر.


إيران… هل انتقمت أم تنتظر الجولة القادمة؟

لم تخرج إيران من هذه الحرب منتصرةً بمفهوم النصر الكامل، لكنها حتماً لم تخرج مهزومة. تمكنت من الصمود في وجه ضربات عسكرية واستخبارية دقيقة، قادها تحالف دولي سخر كل تقنياته الأرضية والفضائية. انها جولة اختبار لمعادلات الردع لدى الطرفين. نعم، تم استهداف بنية ايران النووية بشكل جزئي، وان سوقته ماكنة الأعلام المضادة على انه كلي، لكن الطموح النووي لم يُقبر، بل ازداد غموضًا وصلابة. ما لم يُقصف في الحرب هو النية الإيرانية العميقة للاستمرار والتمدد.

لقد أثبتت طهران أنها لم تعد قوة هامشية تعتمد على أذرعها فحسب، بل صارت رأس حربة في محور إقليمي يمتد من بغداد إلى ما وراء تل ابيب، ومن صنعاء إلى غزة، قادر على إرباك أي خطة إسرائيلية أو غربية للحسم العسكري السريع.


إسرائيل… هل انكشفت أم تكيّفت؟

أما إسرائيل، فقد نجحت في إظهار كفاءتها العسكرية والتكنولوجية – ولكن فقط حتى لحظة الحقيقة- عندما ظهرت “القبة الحديدية” كقبة من ورق أمام كثافة نيران الخصوم. لم تعد الحرب بالنسبة لإسرائيل ساحةً لضرب الخصم والعودة إلى الهدوء، بل أصبحت امتحانًا داخليًا لمدى تماسك المجتمع الإسرائيلي في ظل الهشاشة الأمنية الجديدة. السؤال العميق الذي يهمس به العقل الاستراتيجي الإسرائيلي الآن هو: هل ما زالت القوة كافية لضمان الأمن، أم أن معادلة الردع نفسها بحاجة إلى إعادة كتابة؟

لقد تجلى ضعف اسرائيل بجغرافيّتها الصغيرة، فهي اكبر نقاط ضعفها، بل البلاء الذي لا يمكنها ايجاد حل له إلا بالتوسع الجديد! وهذا مطلب تعمل عليه الان وقد تتجه نحو لبنان وسوريا والأراضي المحتلة والأردن لتوسع من حيزها الجغرافي وتضيف ما يعوض فقرها الجغرافي الحالي.

لم تنفعها أميركا في صد صواريخ ايران التي حولت مدن الكيان إلى مراكز اختبار لشتى أنواع المقذوفات الإيرانية، لم تنفعها تكنلوجيا الفضاء والعلوم الرقمية في إيقاف السقوط الحر للرؤوس الحربية الإيرانية.


الشرق الأوسط… من الهامش إلى مركز الإعصار

لا يمكن النظر إلى هذه الحرب كحدث عابر، فقد أحدثت شرخًا جديدًا في خرائط التحالفات، وأعادت تموضع القوى الإقليمية. تركيا تراقب بحذر وهي تحكم قبضتها على نصف سوريا تقريبا وعينها على شمال العراق. الخليج في صمت ثقيل ينتظرون الزيارة التالية التي قد تسحب كما آخر من اموالاً تومن مقاعدهم الملكية. مصر تترقب الهبات من الكيان او غيره مضغوطة بفقرها وكثرة نفوسها. وسوريا أصبحت مرة أخرى أرضًا تتراقص فيها ظلال الكبار. لبنان تجلس على قارعة طريق الشرق تنتظر المحسنين فيما يلعق جنوبها جراحه ويعيد ترميم صفوف المقاومة.

التاج الأردني بات مخنوقا بين غضب الداخل ونقمته، وطموحات التغيير الخارجي لقلب الطاولة وتغيير المشهد فيها. لم يتبقى في دول الشرق الأوسط العربية من يملك القدرة والتأثير.


العراق… الحياد المستحيل على خريطة مشتعلة

لم يغادر العراق عواصف الشرق الأوسط وقد كان صانع عواصف لفترة لكنه وقع في صلب العاصفة ولم يغادرها حتى الان. موقعه الجغرافي، تركيبة نسيجه الوطني، وتشابك مصالح القوى الإقليمية والدولية فيه، تجعل من فكرة “الحياد” ترفًا ليس ممكنًا. لقد أماطت الحرب الأخيرة اللثام عن حقيقة تجاهلها ساسة البلد والمتصدين للمسؤولية، وعصبوها بعمامة التحالف الدولي، مفادها: اننا غير قادرين على بناء قدرات عسكرية-دفاعية-استخباراتية- رقمية بسبب الرقابة الدولية!

وفي حقيقة الأمر أن جمال السلطة وبريق الذهب وعطر الدولار قادهم إلى ترف ورفاهية أنستهم الأخطار المحدقة بهم وطحنتهم بصراعات داخلية جعلتنا مستباحين ارضاً وجواً.

العراق الآن بحاجة إلى استراتيجية ثلاثية الأبعاد:


  1. أمنية: تعزيز قدراته السيادية في إدارة مجاله الجوي والسيبراني، إذ كانت الحرب الأخيرة أيضًا حربًا استخبارية رقمية بامتياز.

  2. سياسية: تحصين موقفه الخارجي عبر دبلوماسية تعي العناصر المهمة التي يملكها البلد وعدم وضعها كهدايا لاستدرار عطف الآخرين، بل عوامل قوة.

  3. حضارية شبابية: الاستثمار في الذاكرة والتاريخ والوعي الشبابي لبناء سردية وطنية تحميه من الاصطفافات المدمرة.


وأخيرًا… ماذا تعلمنا من هذه المنازلة؟

إن امتلاك القوة لا يعني امتلاك النصر.

إن الحروب الحديثة تُحسم في غرف القرار بقدر ما تُحسم على الارض

إن الأحلاف ليست أبدية، والمصالح وحدها من ترسم مستقبل الحدود والسيادة.

لقد انتهت الحرب مؤقتًا، لكن الشرق الأوسط دخل طورًا جديدًا من “الحرب الطويلة” – حرب السيادة على العقول، والموارد، والاتجاهات الكبرى. وفي هذه المعادلة، من لا يحصن جبهته الداخلية، سيُستنزف من الخارج.

العراق لا يملك ترف الغفلة. والخريطة القادمة تُرسم الآن، وليس غدًا.

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page