top of page

وهم الشعبية الرقمية وارتباطها بنتائج الانتخابات: مزارع الذكاء الاصطناعي ومصانع التواصل الاجتماعي

  • صورة الكاتب: KDTS
    KDTS
  • 29 يونيو
  • 4 دقيقة قراءة
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي لسباق الانتخابات والفوضى الرقمية
صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي لسباق الانتخابات والفوضى الرقمية

بارومتر العراق/ ضياء ثابت، خبير اليونسكو للاتصال والمعلومات


غيرت الحملات الدعائية الرقمية من مبتنيات الحملات الانتخابية، ونقلتها من مساق إلى آخر مغاير بشكل لايمكن تصديقه. حيث باتت الحملات الانتخابية تعتمد على تقنيات الاتصال والتواصل الذكي الرقمي كمرتكز أساسي في رسم خريطة النفوذ السياسي والتأثير الجماهيري والقدرة على الوصول والتفاعل وتحقيق الإقناع، والتلاعب بميول الناخبين.

وتجلّى ذلك من خلال الانتقال من الأساليب التقليدية في الترويج السياسي إلى ما يُعرف بـ”التأثير الرقمي المعزز” (Augmented Digital Influence) الذي يستند إلى معادلات تدمج بين عالمين(الواقعي والرقمي)، عبر رصد وقياس موشرات مدمجة كثيرة لعل أقربها إلى فهمنا هي نسب المشاهدة، والتفاعل، وعدد المتابعين، والمشاركات، وما شابه ذلك من مؤشرات تبدو للوهلة الأولى دالة على الشعبية السياسية.

غير أن هذا التقييم السطحي غالباً ما يتجاهل الديناميات المعقدة التي تحكم السلوك الانتخابي الحقيقي، ويغفل الفروقات البنيوية بين التفاعل الرقمي والتصويت الفعلي في صناديق الاقتراع. نعم، لا شك أن تلك التقنيات إذا ما وظفت بطرق صحيحة وليست عشوائية كما يحصل عندنا، فستقود إلى تميز وسبق لدى مستخدمها.


الفارق بين “الوصول الرقمي” و”التأثير الانتخابي”

رغم الارتباط الظاهري بين ما يعرف بالمؤشرات الرقمية Digital Insights, وبين النجاح السياسي، إلا أن الوصول الرقمي (Digital Reach) لا يُعدّ مؤشراً دقيقاً أو قابلاً للقياس الواقعي في معادلة التأثير الانتخابي.

وهنالك الكثير من الأسباب تدعونا للثبات على هذا الاستنتاج، من بينها تباين شرائح الجمهور، اذ لا يُشترط أن تكون الجماهير المتلقية للمحتوى الرقمي مؤهلة قانونياً للاقتراع، أو مناسبة اجتماعياً للانخراط بمسارات التصويت، أو حتى راغبة في التصويت. فالوصول الرقمي قد يشمل فئات عمرية دون السن القانوني المؤهل للاقتراع، أو فئات غير مهتمة بالعملية السياسية (Apolitical Users)، أو حتى جمهوراً من خارج الدائرة الجغرافية الانتخابية.

ومن بين الأسباب ايضا، التوزيع الجغرافي غير المتوازن ضمن الدائرة الانتخابية سواء كانت واحدة او متعددة، ففي كثير من الحالات، تكون نسب الوصول الرقمي عالية في مناطق لا تمثل ثقلًا انتخابيًا للمرشح، مما يخلق انطباعًا زائفًا بالنجاح أو بالقبول الشعبي، فيما الواقع الانتخابي محكوم بالجغرافيا السياسية للمرشح (Geopolitical Boundaries).

وقد يكون الترويج الممول والمشاهدات المصطنعة، سببا آخر في تمويه الكيانات الانتخابية وجرها لدروب الخسارة، اذ تعتمد الحملات الرقمية على الإعلانات الممولة (Sponsored Content) التي قد توصل الرسالة إلى جمهور واسع، لكنه غير مستهدف انتخابيًا. كما تُستخدم تقنيات التلاعب بالخوارزميات (Algorithmic Manipulation) لزيادة “مؤشرات الوصول الوهمية” مثل عدد الإعجابات أو التعليقات أو المشاركات، دون أن تكون هذه مؤشرات حقيقية وموجودة على ارض الواقع.


جيوش إلكترونية وكائنات رقمية

لقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في استخدام ما يُعرف بـ”الجيوش الإلكترونية” (Cyber Armies) أو “مزارع المتابعين” (Follower Farms) وهي مجموعات رقمية مُدارة آليًا (Bots) أو شبه بشرية (Cyborg Accounts) تُستخدم لتضخيم الحضور الرقمي للمرشحين.

هذه الكائنات الرقمية لا وجود لها في الواقع الانتخابي، ولا تملك أهلية التصويت، لكنها تخلق فقاعة رقمية وهمية (Digital Echo Chamber and Bubbles ) تغلف المرشح رقميا وتوحي بشعبية لا تعكس الواقع.

كما وتُستخدم مزارع الذكاء الاصطناعي (AI-generated engagement farms) لإنتاج محتوى تلقائي يعزز من انتشار الرسائل السياسية، واستقطاب الحسابات الوهمية على التواصل الاجتماعي لانها سائبة الجذور كما يصطلح عليها تقنيا، ما يُسهم في تضليل الرأي العام من جانب وإيهام المرشحين من جانب آخر عبر خلق تصورات خاطئة لدى صناع القرار ومدراء الحملات الانتخابية.


جاذبية الصورة مقابل فاعلية الرسالة

إن من أبرز مظاهر الخطأ الاستراتيجي في الحملات الرقمية، هو الاعتماد المفرط على جمالية الصورة، والفيديوهات القصيرة، والخطاب العاطفي، بدل التركيز على المضمون السياسي، والخطاب البرامجي، والمصداقية. وقد أثبتت دراسات حديثة أجرتها مؤسسات مثل MIT Media Lab وPew Research Center أن “الناخبين يميلون إلى تجاهل الرسائل المبهرة بصرياً حين لا تقترن بمصداقية سياسية أو ارتباط واقعي بمشاكلهم اليومية.” كما أن الجمالية المفرطة للهوية البصرية للحملات الدعائية الانتخابية في مجتمعات مثل العراق، يعاني جمهوره من المشاكل والتراجع المدني وقلة التطور الخدمي، تجعل الجمهور ينفر بقوة من تلك الدعايات لانها ببساطة تحرك لديه عامل النقمة المرتبط بالمقارنة بين صورة المرشح المرفه الذي سياخذ اصواتهم ليضاعف من رفاهيته وينساهم بعد فوزه!

إن البيئة الانتخابية في الدول التي تعاني من هشاشة مؤسساتية أو استقطاب مجتمعي، كالعراق ولبنان وليبيا، تكون أكثر عرضة للتضليل الرقمي والاستثمار في الجيوش الإلكترونية. اذ يستطيع المستخدم أن يعبر عن حنقه وغضبه عبر الفضاء الرقمي بصفته الصريحة او المستعارة. لكن هذا ليس نهاية المطاف، اذ تبقى الفرص سانحة في ظل هذه الفوضى الرقمية الضاربة. اذ يمكن أن توظيف الموجات الرقمية الارتدادية لصالح الحملة ذاتها ان كان فريق الحملة الانتخابية عارف ومتمكن من أدواته.

وفي المقابل، فإن الدول ذات الأنظمة الانتخابية الصلبة التي تملك درجة عالية من الرقابة الرقمية والوعي الرقمي الشعبي، كألمانيا وكندا، تعاني بدرجة أقل من هذه الفجوة الماثلة بين التأثير الرقمي والتصويت الفعلي، لأن ما يُبنى رقمياً يجب أن يخضع لمنظومة التحقق الرقمي الانتخابي (Digital Electoral Verification).

وبما أن العراق يفتقر حكما وجمهورا لمثل هذه المنظومات الفاحصة للحقائق أصبح من الضروري التمييز بين الشعبية الرقمية التفاعلية وما يقابلها من قوة انتخابية واقعية، فليس كل من يملك ملايين المتابعين قادرًا على حشد مئات الأصوات. لكن يمكن لمن يملك هذا الكم من المتابعين الرقميين أن يبني دالة بيانات رقمية تفاعلية تعزز النسب الصحيحة منهم وتهمل المزيف.

كما أن قوة “الضجيج الرقمي” لا تكافئ دائمًا “الفاعلية التصويتية”. فلدينا في العراق نماذج سياسية تملك في صفحاتها السياسية كاحزاب وأفراد ملايين المتابعين لكنهم لم يحصدوا نصف مقعد نيابي في الانتخابات السابقة. وعليه فإن قراءة مؤشرات الأداء الرقمي ينبغي أن تخضع لتحليل متعدد الأبعاد، يشمل التحقق من طبيعة الجمهور (Demographic Validation)، تحديد الجغرافيا السياسية للجمهور الرقمي، تحليل السلوك الانتخابي السابق للفئات المتفاعلة، كشف المؤشرات الوهمية للمحتوى المدعوم بوتاتياً أو ممولاً تقنياً.

يتبع في حلقة قادمة…

©2025 by IRAQI-BAROMETER. 

bottom of page